ولاية المرأة على نفسها لا تتناقض مع تكريم دينها لها خاصة أنه المرجعية الأكثر تأثيرا وأهمية في قضاياها ومتعلقاتها، وما يأتي من قبيل العرف والتقليد لا يمكن أن يعلو أو يكتسب قيمة على حساب تلك القيمة التي تعزز إنسانيتها وتؤكد جدارتها العقلية والفكرية التي تؤسس وعيها بما قد يتقدم على رجال يحصلون على ولاية عليها بمسوغات عرفية وليست منطقية أو فكرية. أن تكون المرأة مكرمة أو ملكة أو أي من المترادفات التي يفترض أن تعني قيمتها الإنسانية حسب وعيها والثقة في قدراتها، لا يمكن أن يكون منة أو منحة وإنما ثابتا من ثوابت الفرد في الحياة بأن يكون حرا في خياراته وقناعاته وميوله واتجاهاته، ولم يكن- عبر العصور- مجديا أو ذا قيمة تعطيل المرأة ودورها في الحياة العامة، ومن سبقوا في التجربة السلبية توصلوا الى أنهم فقدوا مكونا مجتمعيا مهما يتعدى دوره الأدوار التقليدية في البيت والرعاية والتعامل معها بمصطلحات مائعة مثل الملكة وغيرها فيما تسلب حقوقها وكينونتها، من تلك التجارب التجربة السوفيتية والأمريكية التي توقفت عن اضطهاد المرأة وأعادت اليها ما سلبته بحكم العرف وليس شيئا آخر ولننظر أين وصلت؟ ليس بالضرورة المقايسة المجتمعية مع تلك المجتمعات بمنظور حرفي، ولكن بمنظور عام، نكتفي فيه بالأبعاد الإنسانية المغيبة للمرأة، وتلك حالة عامة في المجتمعات العربية ومن بينها مجتمعنا الذي ينبغي أن ننظر فيه لواقع المرأة بواقعية تستوعب الفرص الضائعة لتعطيلها واختزالها في أدوار كلاسيكية أقل بكثير حتى مما يتوافق مع المرجعية الدينية التي نرتكز اليها، وذلك يعني أننا بحاجة الى مراجعات تجدد الوعي فيما يتعلق بتطور المرأة الديموغرافي وارتفاعه على الرجل وتعليمها وتأهيلها، وفي مجال العلم فإن المرجعية الأساسية تحتفي بالعلم وتقدره، فما الذي يبرر إقصاء المتعلمات في مختلف صنوف العلم عن الحياة العامة والمشاركة في إدارتها؟ لا يمكن أن يحدث تجديد ونشاط في الدورة الدموية المجتمعية بتجميد المرأة والتعامل النظري معها كملكة، وهي بالمناسبة فكرة سطحية واستغلالية مخادعة، فلا هي ملكة ولا أدنى من ذلك، وإنما تسطيح وتغييب وإمعان في استلاب حقوقها بأدوات اجتماعية لم تعد مواكبة لروح العصر وتحتاج للقفز عليها بما يجعل المرأة مكرمة وكريمة فعلا وحقيقة وليس استهلاكا اجتماعيا ونظريا لا يتفق مع قيمتها وأهميتها، والأكثر أهمية أن تكون إنسانة تملك نفسها وإرادتها وليست ملكة لا تملك حتى رأيها في أبسط الأشياء، وتلك هي المفارقة التي نحتاج إلى تفكيكها لبناء مجتمع قادر على مواجهة تحدياته بوعي كل من فيه، وليس بنصف وعي.
مشاركة :