"صوتك عالي"، "رجلك مكشوفة"، "غطّي شعرك"، "إنتي كبرتي خلاص"!! تلك هي الكلمات التي اعتادت كل أُم على إلقائها على مسامع ابنتها منذ أن يشتد عودها وتوشك ملامح أنوثتها أن تصبح ظاهرة للعيان، أما الجملة الأخيرة فتلخص بمنتهى الوضوح نظرة المجتمع إلى الفتاة؛ لأنها ستصبح أسيرة هذه القيود طوال عمرها، وبطبيعة الحال ستنتقل بالتبعية إلى بناتها. نحن نربي بناتنا على إخفاء وقمع كل ما هو جميل بداخلهن تحت مسمى مضلل، أُسيء استخدامه يحمل عنوان "الأخلاق والفضيلة"، ما توارثناه جيلاً بعد جيل أن الطبيعة التي خلق الله عليها المرأة عار لا بد من تجاهله ومحاولة إخفائه، بداية من تغطية صدرها بالكراسات أو شنطة المدرسة، خجلاً من ملامح أنوثتها الأولية، مروراً بتحذيرها كلما علا صوتها بالرأي أو الجدل أو حتى الغناء، نهاية بمنعها من أبسط حقوقها في التعبير عن أنوثتها، سواء في اختيار ملابسها أو طريقة حياتها وتعاملها مع مَن حولها. الأكثر سوءاً هو نسبة كل تلك المظاهر الزائفة للأخلاق أو الدين دون مبرر، فالحقيقة أنه لا علاقة بين مظهر المرأة وتدينها، ولا علاقة بين إظهار أنوثتها وعفتها، الخطأ ليس خطأها إذا كان المجتمع يصنفها في خانة الشرف، بحسب ما يظهر منها، بالرغم من أن دين الله لم يحدد قواعد وشروطاً بعينها للباس أو الكلام أو التصرف، بل تركها مطلقة بحسب ظروف كل مجتمع وطبيعته. النتيجة أن المرأة نفسها أصبحت تضع بنفسها قيوداً تكبلها وتخنق حريتها بدعوى حماية نفسها وتأكيداً لبراءتها وعفتها، تلك النظرة خلقت امرأة أو بنتاً ضعيفة، هشة، غير قادرة على مواجهة الحياة أو الاستمتاع بكل ما فيها، مستسلمة للعادات والتقاليد الزائفة بلا أدنى مقاومة. أصبحت المرأة العربية محمَّلة بكم هائل من الأعباء النفسية؛ لأنها تخجل من نفسها، من كونها أنثى، لا تمارس حريتها كما منحها لها الله، أصبحت تنكر طبيعتها وتتبرأ من جسدها، وفي حالات كثيرة تتمنى لو خُلقت ذكراً؛ كي تتخلص من عبء تلك القيود التي ألجمتها. لماذا تخجلين من أنوثتك؟ لماذا تخجلين وقد منحك الله جسداً جميلاً وتكويناً بديعاً من أعظم آيات الله في الكون؟ لماذا تخجلين وقد وهبك من الصفات التي إذا أحسنت الاهتمام بها وإظهارها ستكونين أسعد المخلوقات؟ لديك صوت رقيق وضحكة رائعة، وحنان وحب واحتواء، وأمومة، وعقل وذكاء، لستِ أقلَّ من الرجال في شيء، ليست لديهم فرص للتفوق والنجاح والظهور لا تمتلكينها حتى تخجلي من أنوثتك! أطلقي لخيالك العنان، مارسي كل هواياتك التي تحبين، تعلمي الرقص والموسيقى والغناء، مارسي الرياضة، اقرئي كثيراً وناقشي، تفوقي في دراستك وعملك، اكتشفي جمالك وملامح أنوثتك وأظهريها بلا خجل، اضحكي من قلبك بلا حدود، كوني بالفعل امرأة كما أراد لكِ الله، فلن يحاسبك سواه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :