يوسف زيدان: الزمن الجاهلي كان زمناً عربياً مديداً ومجيداً

  • 8/19/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كتب: محمد إسماعيل زاهر العنوان الرئيسي في هذه القراءة لبعض أعمال يوسف زيدان مقتبس بالنص من كتابه اللاهوت العربي، الطبعة الثانية، دار الشروق، القاهرة 2010، ص 35، وسياق النص حديث زيدان عن ذلك المصطلح الإشكالي الذي نحته نحتاً اللاهوت العربي، وهو مصطلح مركب من مفردتين يصعب الجمع بينهما، اللاهوت تلك الكلمة المستمدة من الموروث المسيحي، والعربي التي تحيل إلى الثقافة العربية الإسلامية، ولكن هذا المصطلح الجديد تماماً حسب وصف زيدان يُنّظر له الباحث منطلقاً من ديانة مسيحية لم تعرف المحاورات اللاهوتية إلا في منطقة سادت فيها الثقافة العربية، الشام والهلال الخصيب من قبل ظهور الإسلام، بل من قبل انتشار المسيحية بقرون من الزمان، الكتاب نفسه ص46. المحير في تصريحات يوسف زيدان الأخيرة بخصوص منطقة شبه الجزيرة العربية التي كانت تخلو من الحضارة والعلم والثقافة، وسكانها سٌرّاق إبل، أننا أمام باحث له أكثر من 60 كتاباً، الأغلبية الساحقة منها حول التراث والفكر والمخطوطات العربية، والأهم من ذلك والمفاجئ والمفارق والمضحك المبكي أيضا تلك الحفاوة التي تجدها في أشهر كتب زيدان بالموروث العربي في المنطقة بأكملها قبل الإسلام، ولا يمكن فهم ألغازه ومراميه في روايته الشهيرة النبطي إلا من هذا المنطلق. المثير للدهشة في حالة يوسف زيدان ليس ما سبق وحسب، ولكن توظيف المقولات المؤكدة لوجود عربي ثقافي مؤثر في العراق والشام وحتى مصر لبناء الكثير من الأفكار المتناثرة في كتبه، لنستمع إليه وهو يقول في الكتاب السابق نفسه: غير أن مجد العرب الممتد في الزمن الإسلامي، كان من السطوع في وعينا، بحيث حجب المرحلة السابقة على الإسلام من حياة العرب، وتركها حالكة في ناظرينا، بل مهملة مظلمة، وهو يؤسس مشروع اللاهوت العربي، على 3 دوائر متداخلة، الأولى تتمثل في التراث المسيحي بكل مشتملاته وأطيافه، والثانية وهي الأكبر زمناً والأكثر تأثيراً دائرة العروبة التي عاشت زمانين، الأول مطمور، يقصد ما قبل الإسلام، والثاني مشهور، والثالثة الدائرة الإسلامية، لقد سمحت الروح العربية بكل تصوراتها وعقائدها وقيمها قبل الإسلام بتوجيه اللاهوت المسيحي وجهة معينة، وأثرت لاحقاً في علم الكلام الإسلامي، هي رؤية فكرية معقدة ويطول شرحها، ولكن ما يهمنا هنا هو ذلك التراث الممتد لمئات السنين ويقع جذره في مدار تاريخ العرب قبل الإسلام هنا في شبه الجزيرة العربية أو في مصر والعراق والشام نتيجة للهجرات العربية، هذا التاريخ الذي تحول إلى منطقة مظلمة حاول زيدان التبرؤ منها في جملة واحدة. يوظف زيدان في جدله العقلاني مع أصحاب التيارات المتشددة أو الرؤى اللاعقلانية، نفس الحقبة التي وصفها بالجدباء، لتفسير انتشار الإسلام، فالدين الحنيف ظهر في مرحلة تفكك الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية واندفع بقوة العقيدة وثقة العرب بأنفسهم بناء على تجارب سابقة: ظهر الإسلام في قلب جزيرة العرب، بعد قرون من محاولات العرب السابقين على الإسلام، إقامة دول وإمبراطوريات قوية على غرار مملكة تدمر التي حكمتها المرأة العربية الحكيمة المسماة زنوبيا أو الزباء أو زينب، وهي التي ورثت المملكة العربية الممتدة من عاصمتها تدمر بوسط سوريا الحالية إلى بلاد فارس شرقاً وإلى الإسكندرية غرباً، كتاب دوامات التدين، الطبعة الثانية، دار الشروق القاهرة 2013، ص179، ومن تلك الممالك العربية ما وصل به الاستقرار السياسي إلى الحال الذي سمح بجلوس نساء أخريات على العرش، ملكات حاكمات، مثل الملكة العربية ماوية التي أدارت باقتدار المملكة العربية في العراق، إبان القرون الميلادية الأولى. ويقال إن هناك أكثر من ملكة حكمت هناك كان اسمها ماوية أيضا، وهو ما تقوم عليه شواهد تاريخية عديدة، الكتاب السابق ص 180، ثم يسترسل في التغني بأمجاد سُرّاق الإبل وانتصارهم في موقعة ذي قار على الفرس، وهو ما يؤكد قوة العرب وشعورهم بالوعي الجمعي، وبحثهم عن موقع متقدم في العالم بين الإمبراطوريات العظمى آنذاك، واصطفافهم منطلقين من هذه الأفكار وقوة العقيدة خلف نبينا الكريم فيما بعد. ثالث مفاجآت زيدان، والتي تميز بها بمفرده على حد علمي فما سبق رصده طرحه مفكرون عرب آخرون بدرجات متفاوتة، تتعلق بالوجود العربي الضخم في مصر قبل الإسلام، ذلك الوجود الذي سهل لعمرو بن العاص فتح مصر بآلاف قليلة من المقاتلين وما كان لقواد المسلمين أن يتجاهلوا الوضع المزري لهرقل وجيوشه، واضطراب الأحوال في مصر بسبب صراع الكنائس هناك، والقوة الهائلة العربية الساكنة في مصر، كتاب متاهات الوهم، الطبعة الثانية، دار الشروق القاهرة 2013 ص 90، ويدعم فكرة وجود تلك القوة العربية بالقول:كان مجيء عمرو بن العاص بجيشه إلى مصر، إنما هو في واقع الأمر لاستلام حكم البلاد، وليس للفتح أو الغزو أو الحرب التي من غير المعقول أن ينهزم فيها عشرات الآلاف من جند الروم المتحصنين في القلاع، عددهم ما بين أربعين ألفاً ومئة ألف، أمام جيش المسلمين الذي كانت خسائره جميعها، حسبما أشار المؤرخون المبكرون اثنين وعشرين رجلا، ليس فيهم واحد من مشاهير المسلمين، أو قادة جيشهم، الكتاب السابق ص93، وكأن سكان مصر كلها كانوا قبل الإسلام من العرب، كما ينطق المسكوت عنه في نص زيدان، ولأي مؤرخ أو مفكر أن يختلف مع زيدان حول هذه الرؤى، المهم أن الرجل صاغ في الكثير من كتبه الشهيرة والمطبوعة أكثر من مرة ما يشبه النظرية التي تؤكد ذلك الزمن العربي الجاهلي المديد المجيد، وكثيراً ما يضع كلمة الجاهلي بين مزدوجين مطالباً بإعادة تسمية ذلك الزمن بما يليق بإنجازاته السياسية والثقافية والحضارية. ولقارئ زيدان أن يواصل التنقيب ليعثر على إشارته إلى وجود 50 ألف بردية مصرية مكتوبة باللغة العربية في متحف فيينا وحده، وفي دار الكتب المصرية عدد هائل من البرديات لا يعلم مقداره إلا الله، الكتاب السابق ص 198، ولا تنتهي مفاجآت زيدان فتلك البرديات التي كتبها سُرّاق الإبل تعود إلى عقود قليلة من دخول عمرو بن العاص إلى مصر، ومن المعروف أن مصر ظلت لعدة قرون حتى تعربت تماماً، ما يعني أو ما يمكن قراءته في المسكوت عنه لدى زيدان، أن الثقافة العربية كانت متواجدة وبقوة في مصر قبل الإسلام. أما المسكوت عنه في رواية النبطي، فيحتاج إلى قراءة أخرى، حيث توظيف كل هذه الرؤى الفكرية التي تتناثر على صفحات كتب زيدان في شكل أدبي روائي، بحيث يشعر قارئ زيدان وقبل تصريحاته الأخيرة أنه أمام مشروع فكري يؤصل لثراء ثقافة سُرّاق الإبل قبل الإسلام، بل الأشد إثارة للعجب، وتقلبات زيدان لمن يتابعونه كثيرة، أن الرجل في كتب كثيرة أخرى، شهيرة وعديدة الطبعات، يفكك الكثير من مقولات المركزية الثقافية المصرية انطلاقا من ضرورة وقفة أمينة مع الذات، تنتقد ما رسخه الإعلام من أفكار لم يعد لها محل من الإعراب على أرض الواقع، راجع كتاب شجون مصرية، نون للنشر، القاهرة 2015، بل يقول عن مصر كلاما أشد قسوة من حديثه عن الفراغ الذي كانت تعيشه الجزيرة العربية قبل الإسلام. نحن إذاً أمام نصوص تمجد في تاريخ العرب قبل الإسلام: دول ممتدة، وانتصارات على إمبراطوريات ذلك الزمان، وتأثير بلا حدود في اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي، ونساء تحكم، وتواجد ديموغرافي كثيف في المنطقة الممتدة من الفرات إلى النيل بكل ما يتبعه ذلك من رغبة زيدان في التنظير والتجذير للثقافة العربية قبل الإسلام، ثقافة سُرّاق الإبل، الأمر الذي يثير السؤال لماذا ردد زيدان تصريحاته السابقة المستفزة ل كل العرب؟، فلسنا في مدار الحديث عن نقاء عرقي وإلا علينا أن ننعى العرب وثقافتهم، فالعرب الآن ووفق يوسف زيدان ليسوا هم سكان الجزيرة فقط، وعندما يصف أحدهم سكان شبه الجزيرة العربية ب سُرّاق الأبل فهو وصف ينسحب على جميع العرب، وهذا الأحدهم لا يُعرف نفسه إلا بكونه عربياً يكتب ويفكر ويعمل في مدار الثقافة العربية، ففي النهاية هو نفسه ينتمي إلى سُرّاق الإبل حفيدهم بالدم والتاريخ واللسان، وظل طوال حياته يشغل مخيلته بأفكار سُرّاق الإبل، ويحلم بنهضتهم، ويخوض معاركهم؟ بل كان هو الأكثر تنظيراً لهم؟ وهل ينهض سُرّاق الإبل؟، وهل يستطيعون تأسيس حضارة قبل الإسلام؟ أو حتى، وللأسف ولنكن صرحاء، بعده؟، وهو الآن أكثر مثقفينا مطالبة بإثبات وجود علماء عرب قبل الإسلام وإلا عليه من منطلق أخلاقي إعلان التبرؤ من كل تلك الكتابات، فلا دول تتأسس ولا نساء تحكم ولا نقاشات دينية تتم إلا ولابد من توافر نخب من العلماء، هكذا يقول العقل، وهكذا يقول التاريخ. أعتقد أن يوسف زيدان على وعي بكل ذلك، وعلى وعي بذلك التناقض الكامن بين ما كتبه ويكتبه، وما يقوله في الندوات العامة، ولكنها وللأسف قناعة البعض، في حالة حسن النية الثقافية، بإثارة المياه الراكدة فكريا، أو حبا في الشو الإعلامي والشهرة، في حالة النرجسية والتمركز حول الذات، أو التمترس خلف مشاريع فكرية موزونة لا تُنشر على العوام الذين يقال لهم شيئا آخر تماماً من منطق المضنون به على غير أهله، أو قول كلام في مكان وترديد عكسه في مكان آخر، أو كتابه رأي في مطبوعة ونشر نقيضه في مطبوعة أخرى، وكلها أصبحت سمات تملأ الساحة الثقافية العربية، وتتوافر في شخصية زيدان كمثقف الكثير منها، والمتابع لمعاركه مع إسماعيل سراج الدين، وتوقفه عن الكتابة لفترة وبرنامجه التلفزيوني ونشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، ورأيه حول المسجد الأقصى، وتلك الذات المتضخمة والحديث المستمر عن الإنجازات واستناده أحياناً إلى شهادات كبار المفكرين فيه.. الخ، أقول أن المتابع لنصوص زيدان ونشاطه والمتأمل لطبيعة شخصيته يفهم تماماً تلك التصريحات التي رددها من دون مسؤولية أو مراعاة للظرف الدقيق الذي يجب أن يتكتل فيه جميع المثقفين لمواجهة تيار لا يمثل خطرا على قطر عربي من دون الآخر، ويلوث تاريخ ما قبل الإسلام وما بعده، ويتربص بمستقبل يحتاج من الجميع إلى الابتعاد عن القضايا الفارغة وحب الشهرة والظهور. ثراء واتساع الثقافة العربية قبل الإسلام إن التراثيات المتزامنة والمتعاقبة، فيما نرى، هي دوائر متفاوتة المساحة بحسب ما أعطاه هذا التراث أو ذاك لأهل زمانه، وللإنسانية من بعدهم. وهذه الدوائر قد تتماس أو تتداخل، وفقا للظروف الموضوعية التي أبرزت هذه الدائرة التراثية أو تلك.. ويمكن تقريب صورة التداخل بين الدوائر الثلاث التي ترتبط ببحثنا هذا من خلال هذا الشكل الإهليليجي: في هذا الشكل، تمثل الدائرة (أ) التراث المسيحي، بكل مشتملاته وأطيافه المذهبية التي امتدت في الزمان قروناً، تنوعت فيها الرؤى الروحية والمذاهب العقائدية، حيث تكثفت وتعمق اختلافها في الزمن السابق على ظهور الإسلام. بينما تمثل الدائرة الوسطى، المشتركة (ب) العروبة التي عاشت زمانين، الأول مطمور والآخر مشهور. وأعني بالمطمور، الزمن العربي السابق على ظهور الإسلام، وهو المسمى اتفاقا بالزمن (الجاهلي) مع أنه كان زمناً عربياً مديداً، مجيداً. غير أن مجد العرب الممتد في الزمن (الإسلامي) كان من السطوع في وعينا، بحيث حجب المرحلة السابقة على الإسلام من حياة العرب، وتركها حالكة في ناظرينا، بل مهملة مظلمة. والدائرة (ج) هي دائرة الدين الإسلامي الذي انبثق من قلب الجزيرة العربية، قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، واشتد عوده مع الفتوح وكر الأيام والسنين، وقامت به الدول ودالت، اللاهوت العربي ص 35و36، والملاحظ في دوائر زيدان أن الدائرة العربية قبل الإسلامية هي قلب ما يطلق عليه تراثيات المنطقة. أصل اللاهوت المسيحي عربي لن أطيل هنا في الكلام عن دلالة هذا المصطلح الجديد (اللاهوت العربي) أو فحواه، ذلك أن فصول هذا الكتاب كلها، هي بيان لذلك المصطلح وتبيان فحواه. وملخص الأمر أنني أرى ببساطة أن الديانة المسيحية لم تعرف (اللاهوت) إلا من خلال المحاولات التي أرادت أن تنتقل بالفكر الديني من الاشتغال بحقيقة وطبيعة المسيح إلى الانشغال بالذات الإلهية وصفاتها.. وهذه المحاولات الكنسية اللاهوتية، وتلك المذاهب الدينية، ظهرت في منطقة الهلال الخصيب (الشام، العراق)، وهي المنطقة التي سادت فيها الثقافة العربية، من قبل ظهور الإسلام، بل من قبل انتشار المسيحية بقرون من الزمان. وهي التي أدت بشكل مباشر إلى صياغة الأرثوذكسية نفسها ذاتها.. وهذه الاجتهادات الهرطوقية العربية، الساعية إلى تأسيس لاهوت مسيحي.. ظهرت كلها في محيط جغرافي محدد، وبين جماعة بعينها من الناس، يقصد محيط الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر، وهؤلاء الناس هم عرب ما قبل الإسلام بقرون.

مشاركة :