منار العبرية.. «عظام زجاجية» وإرادة من حديد

  • 8/19/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مسقط: الخليج ولدت الطفلة العمانية منار بنت محمد بن جبر العبرية بعظام زجاجية قابلة للكسر في أي لحظة، لكنها كذلك ولدت بمجموعة من الملكات والمواهب؛ من الرسم إلى الخطابة، ومن الحضور الطاغي وقوة الشخصية إلى القدرة على الإقناع، ومن إتقان اللغات الأجنبية إلى التفوق الدراسي؛ وبذلك استطاعت أن تتجاوز واقعها، لتكون مثالاً يحتذى لذوي الاحتياجات الخاصة والأسوياء معاً. التقينا أم منار التي تعاملت مع حالة ابنتها بقلب راض وعقل مفتوح، وتبذل كل الجهد لتوجيهها إلى الاستفادة من ملكاتها ومواهبها؛ لتحدثنا عن قصة منار ابنة الأعوام العشرة في حاضرها المتألق ومستقبلها الواعد. * كيف بدأت قصة منار؟ - ابنتي ولدت بمرض نادر من أمراض هشاشة العظام يسمى العظام الزجاجية، وبسببه تكون معرضة للرضوض والكسور عند التعامل معها دون وعي وحرص؛ إذ لا تستطيع عظامها مقاومة الضغوط الطبيعية التي يتحملها أي إنسان آخر، ولذا يجب أن تكون حركتها محدودة وتعاملها مع جسدها ومع الآخرين بمنتهى الحذر. هذا هو الوصف الظاهري، لكن الوصف الحقيقي لابنتي أنها فتاة موهوبة في فن الرسم خصوصاً، متميزة الشخصية رغم أعوامها القصيرة، فهي لا تتردد في الحديث مع الآخرين، وإلقاء الخطابات أمام الجماهير، والتواصل مع الثقافات الأخرى عبر وسائل التواصل الحديثة، إضافة إلى قدرتها البارزة على الإقناع. * حدثينا عن ظروف ولادتها، وكيف كان وقع أمر حالتها عليكم أنتم أسرتها؟ - منار هي الحالة الثانية في أسرتنا، فأختها بلقيس لديها نفس المرض، وقبل ولادة منار علمنا بواسطة الوسائل الطبية أنها مصابة بنفس الحالة. وكنا عانينا كثيراً مع شقيقتها فعرض الأطباء علينا إمكانية الإجهاض، لكننا بعد التفكير قررنا القبول بقضاء الله وقدره. * صفي لنا حالتك بعد ولادتها. - كانت صعبة جداً، لأننا سبق أن عانينا مع شقيقتها بلقيس، فالطفل المصاب بهذا المرض يكون عرضة للكسور بشكل متكرر، قد يصل إلى 5 مرات في العام الواحد، ولذلك يحتاج إلى مراقبة مستمرة على مدار الساعة. وبعد ولادتها كنت أبكي كثيراً، ليس خوفاً من عدم تقبلها أو رفض المجتمع لها، ولكني كنت خائفة من عدم قدرتي على القيام بدوري تجاه حالة منار وبلقيس، وهنا قدَّر الله لي إحدى صديقاتي التي رأت حالتي فوجَّهت إلي نصيحة لن أنساها أبداً، إذ قالت لي: لماذا تبكين يا أم أحمد؟ هذه نعمة أرسلها الله إليك، لتكون عوناً لأختها، ومنذ تلك اللحظة لم أبكِ لذلك السبب. وبعد الولادة فوجئ أفراد عائلتي بمعنوياتي العالية، وقد تبدلت مشاعر الخوف إلى عزيمة صلبة واطمئنان راسخ؛ إذ كنت أكرر أمام الجميع اللهم لك الحمد والشكر على ما أعطيت. * وهل تقبَّلت عائلتك الأمر مثلك؟ - تفهَّمت عائلتي الأمر، وتعاملت مع حالة البنتين بشكل راقٍ، لإيمانهم وثقتهم بالله عز وجل، وأحاط أقاربي الفتاتين بالاهتمام والرعاية، دون إفراط أو تفريط، وبالتالي استطاعتا التعايش مع حالتيهما، فلم تشعرا بالنقص وآمنتا أن الإعاقة منحة وليست محنة، وأن لديهما من المزايا ما يفوق الأسوياء أحياناً. * مامواهب منار؟ - تمتلك العديد من الملكات والمواهب، التي ساهمت إعاقتها في تطورها وإبرازها، فهي ترسم ببراعة، ولديها حس عال في نقل الأفكار والتعبير عنها من خلال هذا الفن، وقد فازت بالمركز الأول في مسابقة وهج التي نظمتها كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس. كما أن لديها موهبة إتقان اللغات، حيث تتحدث اليوم العربية والإنجليزية بطلاقة، كما تعمل على تطوير معرفتها باللغتين الفلبينية والهندية، كما أنها تتمتع بصوت واعد يمكن أن يكون له مستقبل إذا وجد الرعاية الكافية، وتتميز بمهاراتها في الحديث والإلقاء والحوار، حيث تملك كاريزما ومنطقاً يجعلاها قادرة على إقناع محاورها بوجهة نظرها، ويساعدها على ذلك ذاكرتها المتوقدة التي اكتسبتها من دورات تقوية الذاكرة التي التحقت بها، والتي تعتمد طريقة ربط المعلومات. إلى ذلك فهي ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي ، ولديها متابعون وأصدقاء من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى متابعيها من السلطنة. و كانت منار محظوظة لتلقيها التعليم منذ سن 9 شهور، من خلال جمعية التدخل المبكر، حيث لفتت إليها الأنظار باستطاعتها إنجاز أهداف أكبر من عمرها الحقيقي، وعندما انتقلت إلى مرحلة الروضة قررت مديرة المدرسة ترفيعها إلى المستوى التمهيدي بعد يوم واحد فقط؛ لأنها اجتازت جميع الأهداف المحددة لتلك السن من خلال تعليمها السابق. بعد ذلك انتقلت منار إلى مدرسة أحمد بن ماجد الخاصة (ثنائية اللغة)، فتفوقت على زميلاتها؛ حيث حصلت على المركز الأول على صفها في السنة الأولى، كما فازت بالمركز الأول على مستوى المدرسة في السنة الثانية، وأصبحت ناشطة في الإذاعة المدرسية تتلو القرآن وتنشد القصائد، وتشارك في تمثيل المسرحيات، وشاركت في المسابقات المختلفة، وحصلت على عدد من شهادات التقدير والتكريم من قبل جهات عدة. وهي حالياً تدرس في مدرسة عائشة الراسبية الحكومية، وتحقق فيها مستويات متقدمة أيضاً. * بناء على تجربتك، ما هي نصيحتك إلى أولياء الأمور الذين لديهم أبناء يعانون حالات إعاقة؟ -بداية على الآباء والأمهات أن ينظروا إلى الأمر على أنه ابتلاء من الله تعالى، ولذا عليهم التحلي بالصبر، وأن يحاولوا النظر إلى الناحية الإيجابية من الأمر، وإدراك أن هذه الفئة لديها قدرات وإمكانات لن تظهر إلا إذا تهيأت لها البيئة المناسبة. جهات داعمة عن الجهات التي قدمت إلى أسرة منار الدعم، في متابعة حالتها هي وشقيقتها، تقول والدتهما: تلقينا الدعم من عدة جهات، كما أن بعض المبادرات كان له عظيم الأثر، حيث التحقت منار بجمعية التدخل المبكر، وتلقت التعليم وعمرها 9 شهور فقط من خلال برنامج بورتج، الذي يقوم على مبدأ تعليم الأم مجموعة من الأهداف خلال فترة معينة، بمساعدة معلمة متخصصة، لتقوم الأم بتدريب طفلها على هذه الأهداف. إلى ذلك ساعدتنا الجمعية العمانية للمعاقين، بإمدادنا بكرسيين متحركين كهربائيين للطفلتين. ويتابع مستشفى جامعة السلطان قابوس حالة منار كل ثلاثة أشهر، ويتولى مستشفى خولة التخصصي علاج منار في حالات الإصابة بالكسور. وأرسلت وزارة الصحة ممثلة في دائرة العلاج بالخارج، منار إلى الهند لإجراء بعض العمليات الجراحية المساعدة، مع الإشراف على زيارات المتابعة إلى الهند ومتابعة العلاج الطبيعي. وأضيف إلى كل ما تقدم وسائل الإعلام كأحد أبرز الداعمين لنا.

مشاركة :