آيت حنا: سعيت لتوريط القارئ العربيّ في عشق الروائية أغوتا كريستوف

  • 8/19/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

وصف المترجم بالخائن لا يستقيم مع ذلك الامتنان الذي يكنّه القرّاء الأوفياء لناقل المؤلفات الأدبية إلى لغتهم الأم. أحد هؤلاء الذين يستحقون الامتنان هو المترجم المغربي محمد آيت حنا، والذي نذر جزءا كبيرا من وقته وجهده لترجمة أعمال الكاتبة الروائية المجرية أغوتا كريستوف؛ إنها الأعمال التي استقبلت بحفاوة من القرّاء العرب ودفعتنا لأن نسأل آيت حنا عن سر تفرغه لمشروع ترجمة الكاتبة المجرية إلى اللغة العربية، إلى جانب موضوعات أخرى تمس موقع المترجم في صراع الناشرين، خصوصا وأن حنا الذي يزور مدينة الخبر هذه الأيام للمشاركة في ملتقى أقرأ الإثرائي؛ أعاد ترجمة رواية «الغريب» لألبير كامو والتي ترجمت أكثر من مرة إلى العربية. على المترجم ألا يبخل في تقديم أعمال تحدث تغييراً في ذائقة القرّاء أو أسلوب الكتّاب من الكتب المهمة التي تدين لك بها المكتبة العربية، روايات الكاتبة المجرية أغوتا كريستوف، كيف عثرت على كُتبها، ثمّ ترجمتها؟ قد يتفاجأ القارئ العربي إن قلت إنّي اكتشفت أغوتا كريستوف أوّل ما اكتشفتها باللغة العربيّة وليس الفرنسية. كان أوّل لقائي بها هو رواية أمس التي ترجمها المرحوم بسّام حجّار. وعلى الرغم من روعة الرواية وجودة ترجمته لم يلتفت القراء العرب إليها. دعاني إعجابي بالعمل إلى البحث عن باقي أعمالها، فاكتشفت ثلاثيتها الرائعة، وأيقنت أنّ ترجمة أوّل كتب الثلاثية الدفتر الكبير سيكون أمثل مدخلٍ لتوريط القارئ العربيّ في عشق هذه الروائية الاستثتائية. وذاك ما كان. كانت ردود الفعل على الرّواية مذهلة، وكانت الحاجة إلى ترجمة باقي الثلاثية (البرهان والكذبة الثالثة) ملحّة، وبالفعل مضيت في المشروع بإصدار البرهان، وقريباً يتتبعه الكذبة الثالثة. كما حاولت أن أقدّم للمكتبة العربية سيرتها الذاتية في كتاب الأميّة التي تعدّ أمثل مدخلٍ لفهم حياة الكاتبة وأعمالها وتجربتها الإبداعية. هذه الروائية تشبهني وأشبهها وتجمعنا العلاقة باللّغة الفرنسية وهل اكتمل مشروع ترجمة أعمالها؟ اكتملت الثلاثية ونشر منها جزءان والجزء الثالث يصدر قريباً. كما ستصدر مجموعتها القصصية الوحيدة بعنوان سيّان. وأخيراً سأختم بترجمة أعمالها المسرحية الكاملة التي تتضمّن سبع مسرحيّات قصيرة. هكذا تكون كلّ أعمالها قد تُرجمت إلى العربية. ما سرُّ هذا الافتتان الذي دفعك إلى أن تُفني جزءاً كبيراً من وقتك وجهدك في ترجمة أعمال كاتبةٍ واحدةٍ؟ المترجمون الذين تربطهم علاقة وجدانية بفعل الترجمة، هم دائمو البحث عن شقائق أرواحهم. بالنّسبة لي أغوتا كريستوف شقيقة روحي، تشبهني كثيراً، أو أنا الذي أشبهها. تجمعنا نفس العلاقة تقريباً باللّغة الفرنسية، تلك العلاقة التي تجعلنا مهما توغّلنا في هذه اللّغة العدوّ إلاّ وازددنا جهلاً بها. زد على ذلك أنّها بغض النّظر عن علاقتي الخاصة بها تعتبر إحدى أفضل الكاتبات في القرن العشرين، كيف يعقل إذن أن تكون قد ترجمت إلى أكثر من أربعين لغةً، بما فيها لُغات لا يتكلّمها سوى القليل من البشر، وتظل في منأى عن متناول القارئ العربيّ. ثمّة إذن مسؤولية أدبية وثقافية تجاه الثقافة العربيّة، هل هذه المسؤولية جزء من عمل المترجم وضرورة لكي يتقن عمله؟ بالطّبع ثمّة مسؤوليّة كبرى ملقاةٌ على عاتق المترجمين بدءاً من اختيار النصوص، وحتّى لحظة إخراجها. ينبغي على المترجم ألا يبخل على الثقافة العربية بالنّصوص التي قد تحدث تغييراً في ذائقة القرّاء أو أسلوب الكتّاب. كما ينبغي أن تمتدّ مسؤوليّته إلى الحفاظ على أثر النّص الأصلي، بحيث يكون الأثر الذي يحدثه في اللّغة المنقول إليها شبيها بالأثر الذي أحدثه في لُغته الأصل. لكن أين موقع النّاشر وما مدى تدخله في اختياراتك؟ أختار ترجمة ما أعشقه وآنسُ في نفسي القدرة على ترجمته. لكنّني لا أستبعد اقتراحات النّاشرين، شرطَ أن تستجيب للمعيارين السّابقين. سبق أن ترجمت أعمالاً لم يُرد أيّ ناشر أن ينشرها، بحجّة أنّها لا تُناسب متطلّبات السّوق. لكنّي أرى أنّ مهما استجبنا لمتطلّبات السّوق التي هي في جانبٍ كبير منها اختيارات القرّاء، تبقى لدينا مساحة للاختيار. وعموماً على المترجم ألا يفكّر في اختياراته انطلاقا من ثنائيات الرّديء والجيّد والمطلوب وغير المطلوب وإنّما يترجم ما يمكن أن تربطه به علاقةٌ وجدانية، وما يأنسُ في نفسه القدرة على ترجمته، لأنّ هناك كتباً قد يعشقها المترجم كقارئ لكن يعجز عن الاشتغال عليها كمترجم. *هل سبق أن واجهك هذا العجز؟ سبق أن واجهني وما يزال يواجهني، بل إنّ كلّ النّصوص التي ترجمتها شكّلت في بدايتها عائقاً بالنّسبة لي لم أتجاوزه إلا لحظة الاشتغال. أيّ ترجمة هي في لحظتها الأولى وقوفٌ عاجزٌ تجاه النّص، لا يتدلّل إلا أثناء العمل. أعدتَ ترجمة الغريب لألبير كامو، على الرّغم من أنّه تُرجم عدّة مرّات إلى العربيّة، ما المقصد من إعادة ترجمته.. هل هو انتقاصٌ من جودة الترجمات السّابقة؟ عادة ما أُسأل عن جدوى ترجمة أعمالٍ سبقَ أن تُرجمت، فيكون جوابي الأوّل المباشر: وما المانع من ترجمتها مرّاتٍ ومرّات. إنّ قدَر النّصوص الكبرى أن تُترجم وتعاد ترجمتُها مراراً وتكرارً، وذلك لسببين على الأقلّ: تطوّر اللّغة الذي يفرض علينا كلّ مرّة إعادة ترجمة ما تقادم من أعمال، وهو ما تفعله جلّ الثقافات، فالفرنسيون ترجموا كافكا وغوته وهولدرلين مراراً دون أن يستنفذوا إمكاناته اللّغوية والتأويلية. والسّبب الثاني: يكون في أنّ النّصوص العظيمة كلّما طال بها الزّمن زادت القراءات حولها وتغيّر فهمنا لها ومن ثمّ وجب أن نعيد الاشتغال عليها وفق الأدوات التي ينتجها الفهم الجديد. كما يقع في نفس خانة الكتّاب العظام الذين لم يحدثوا أثراً كبيراً في الكتابة العربية، والترجمة مسؤولةٌ بشكلٍ كبير عن ذلك. لقد ترجمت الغريب وسأترجم له أعمالاً أخرى سعياً إلى إحداث الأثر المتوخى من كتاباته، على أنّ ترجمتي لا تقف في موقف تضادٍ واختلافٍ مع باقي الترجمات، وإنّما نتكامل بشكلٍ أو بآخر سعياً إلى بناء معنى عام مشترك هو رهين بصيرة القرّاء. ولكن إعادة الترجمة أحياناً قد تدخل ضمن الصراعات بين دور النشر، هل أنت واعٍ لهذا البعد؟ دواليب النّشر وكواليس الناشرين أعقد من أن يدركها فهمُ المترجم أو المؤلف البسيطُ، كلّ عملٍ قد يبدو لصاحبه ينطوي على عالمٍ بأكمله، قد يختزله النّاشر في ثنائية بسيطة الرّبح والخسارة، لهذا على المترجم أن يركّز على عمله فقط، دون أن يضيع حقوقَه، ولكن يبقى على مسافةٍ معيّنة من صراعات النّاشرين وحساباتهم الشخصية المعقّدة. ثمّة امتنانٌ من القراء تجاه المترجم، كيف تلمسه، وما أثره على اشتغالك؟ بعد نشر ترجمة الدّفتر الكبير كتب عنها الكثير من القراء وتقريباً لا أحد من النّقاد، امتناني للقراّء جعلني أُهدي لهم بالاسم رواية البرهان. قد يدّعي مؤلّفٌ أنّه لا يكتب سوى لنفسه، لكنّ المترجم هو بالضّرورة يتوجه إلى قرّاء من ثقافة ولغةٍ محدّدة، لذا يظلّ مديناً لقرّائه الذين يعطون معنىً لعمله. محمد ايت حنا

مشاركة :