حذر معارضون سوريون من تطور الاشتباكات بين قوات النظام السوري والميليشيات الكردية في مدينة الحسكة، بشمال شرقي سوريا، إلى «حرب أهلية» بين المكونين العربي والكردي في المنطقة، رغم استبعادهم أن يواصل النظام تصعيده «لأن تطورًا مشابهًا من شأنه أن يقصيه من مركز المحافظة»، وهذا على الرغم من أنه استخدم أمس سلاح الجو للمرة الثانية على التوالي لقصف مواقع يسيطر عليها المقاتلون الأكراد. ومن جانب آخر، تدخلت الولايات المتحدة الأميركية على خط حماية الأكراد في سوريا، إذ أعلنت وزارة الدفاع (البنتاغون)، أمس، أن قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة أرسلت مقاتلات لحماية الميليشيات الكردية العاملة مع مستشارين أميركيين في سوريا، في حين كانت تستهدفهم طائرات النظام السوري. المتحدث الكابتن، جيف ديفيس، أعلن مساء أمس، بتوقيت سوريا: «تم ذلك كإجراء لحماية قوات التحالف» مشيرا إلى غارات جوية الخميس في محيط مدينة الحسكة. وأضاف: «أعلناها بوضوح أن الطائرات الأميركية ستدافع عن القوات على الأرض إذا تعرضت لتهديد»، وأكد عدم وقوع إصابات. ومن المعروف أن قوات أميركية موجودة في شمال سوريا، تقدم الدعم لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» التي تقاتل تنظيم داعش. هذا، وكانت طائرات حربية نظامية قد نفذت، أمس الجمعة، لليوم الثاني على التوالي غارات على مواقع تحت سيطرة الميليشيات الكردية في مدينة الحسكة، عاصمة المحافظة التي تحمل اسمها والتي تحد كلاً من العراق وتركيا، وفق ما أعلنه «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي أكد أن «طائرات النظام الحربية جددت الجمعة قصفها مناطق في حي النشوة الغربية الخاضع لسيطرة القوات الكردية، مستهدفة موقعا لقوات الأمن الكردية الأسايش». ومن جهة أخرى، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية «أ.ف.ب» تنفيذ الطائرات الحربية ثماني ضربات على المدينة التي يسيطر الأكراد على ثلثي مساحتها، في حين تسيطر قوات النظام السوري على الجزء المتبقي. وللعلم، تدور منذ ليل الأربعاء اشتباكات عنيفة بين قوات «الأسايش» الكردية وميليشيات «قوات الدفاع الوطني» الموالية لقوات النظام، على خلفية توتر في المدينة إثر اتهامات متبادلة بتنفيذ حملة اعتقالات خلال الأسبوعين الأخيرين، وفق «المرصد» الذي أحصى مقتل 40 شخصًا بينهم 9 مقاتلين أكراد و7 مقاتلين من قوات «الدفاع الوطني». وأوضح «المرصد» أن 23 مدنيًا قتلوا، بينهم 9 أطفال و4 مواطنات قضوا جراء قصف قوات النظام والقصف وإطلاق النار المتبادل بين الجانبين. ولقد تصاعدت حدة هذه الاشتباكات الخميس بعد تنفيذ الطائرات السورية غارات على مواقع للأكراد للمرة الأولى منذ بدء النزاع في سوريا العام 2011. وقال «المرصد» إن الاشتباكات تواصلت الجمعة بين المقاتلين الأكراد والمقاتلين الموالين للنظام في القسم الجنوبي من المدينة. جدير بالذكر أن مقاتلي ميليشيا قوات الدفاع الوطني القوة الأكبر الموالية للنظام وهم يخوضون المعارك إلى جانبه على كل الجبهات ضد الفصائل المقاتلة والجهاديين. ونقلت وكالة «الصحافة الفرنسية» عن «مصدر حكومي في المدينة» قوله إن اجتماعات عدة عقدت بين الطرفين «لاحتواء التوتر» لكنها فشلت بعد مطالبة الأكراد بحل «قوات الدفاع الوطني» في المدينة، معتبرًا أن «الضربات الجوية هي بمثابة رسالة للأكراد للكف عن مطالبات مماثلة (حل قوات الدفاع الوطني) من شأنها أن تمسّ بالسيادة الوطنية». تعكس الاشتباكات توترًا كبيرًا بين الطرفين، وسط مخاوف من أن تتحول إلى حرب أهلية، كما قال مصدر سوري معارض لـ«الشرق الأوسط»، لافتًا إلى أن التوتر «بدأ يتخذ الطابع العرقي بين العرب والأكراد»، علما بأن قسمًا كبيرًا من سكان المدينة هم من السوريين العرب. لكن مسؤولين أكرادا، وناشطين في الحسكة، شككوا بأن تتحول المعارك إلى حرب أهلية. وقال الباحث السياسي سليمان اليوسف، المقيم في الحسكة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في المرحلة الحالية، لا مصلحة للنظام بإشعال الفتنة، لكونه مأزوما ومحاصرا»، لافتًا إلى أن «فتنة مشابهة، من شأنها أن تنهي النظام في المحافظة»، لكون «القوات الكردية في شمال العراق يمكن أن تدخل في أي لحظة إذا وقعت فتنة بغرض حماية الأكراد». وتابع اليوسف أن «التصعيد لم يكن للمرة الأولى في المنطقة بين النظام والأسايش»، مشيرًا إلى أن «ما حصل أن قوات سوريا الديمقراطية، تحاول بين كل فترة وأخرى قضم نفوذ النظام والتمدد في شمال سوريا»، وأضاف: «ربما أرادت قوات سوريا الديمقراطية شيئا من المكافأة في الحسكة بعد تحرير منبج، لكن النظام، عوضًا عن مكافأتها، عاقبها، وكان ذلك شيئا مفاجئا». ورأى اليوسف أن النظام «أراد إرسال رسالة قوية لقوات سوريا الديمقراطية بأن سقف نفوذها في الحسكة معروف»، واضعًا الغارات الجوية في إطار «ردع حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) عن التمادي في الحسكة». واستطرد قائلا إن النظام «يحاول كسب ود المكوّن العربي في الحسكة واستمالة العشائر لصالحه، بالنظر إلى شكاوى وصلت إليه مفادها أن قوات الأسايش تعيق عمل ما تبقى من مؤسسات الدولة بالحسكة»، علما بأن الحسكة هي مركز المحافظة، وتتضمن مركز المحافظ وقوات أمنية وإدارات حكومية. اليوسف الذي أكد أن «حالة تقاطع المصالح بين الأكراد والنظام وحاجتهما لبعضهما التي تمنع النظام من قطع علاقته مع الأكراد، تفضي إلى استبعاد الحرب الأهلية بين المكونين». ويلتقي بذلك مع الأكراد الذين يستبعدون الحرب الأهلية، لأسباب أخرى. من جانب آخر، قال رئيس المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك ضبطًا للوضع الداخلي، موضحًا أن «قسمًا كبيرًا من العشائر العربية تعمل مع الإدارة الذاتية، وهناك مشاركة حقيقية للعرب في جميع التشكيلات العسكرية والأمنية في الحسكة يمنع الانقسامات التي تؤدي إلى حرب أهلية». وادعى خليل أن المقاتلين العرب «يشكلون 35 في المائة من قوات سوريا الديمقراطية، ويتواجدون في قوات الأسايش و (وحدات حماية الشعب) وفي التشكيلات المدنية»، وأردف أن قسمًا منهم «موجود في تلك التشكيلات منذ ما قبل تأسيس قوات سوريا الديمقراطية». وتابع خليل أن النظام «يعمل منذ 50 سنة على ضرب المكونات ببعضها، سواء أكانت عشائر أو جماعات عرقية أو طائفية، لكنه لم يستطع تحقيق هدفه. وكانت السنوات الخمس الماضية كفيلة بدرء مخاطر تلك المخططات.. وأي خطوة من النظام للتصعيد، ستؤدي إلى حصاره في مربع أمني في مدينة الحسكة». في هذه الأثناء، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أنه استمر التوتر في مدينة الحسكة وسط استمرار الأهالي في محاولات النزوح نحو مناطق بعيدة عن الاشتباكات والقصف، في حين ساد الهدوء محاور عدة شهدت اشتباكات بين ميليشيا «قوات الدفاع الوطني» والمسلحين الموالين للنظام من جانب، والميليشيات الكردية و«الأسايش» من جانب آخر، في حين شهدت محاور أخرى اشتباكات تراجعت وتيرتها من عنيفة إلى متقطعة، وسط سماع دوي انفجارات في المدينة يعتقد أنها ناجمة عن قصف لقوات النظام على مناطق تسيطر عليها القوات الكردية في المدينة. وانسحبت قوات النظام تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكردية منذ عام 2012 محتفظة بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي. من ناحية اخرى احتدمت العمليات العسكرية يوم أمس الجمعة في مدينة حلب عاصمة شمال سوريا بعد ساعات على إعلان موسكو موافقتها على الالتزام بهدنة إنسانية أسبوعية مدتها 48 ساعة اعتبارا من الأسبوع المقبل، بينما رجّح معارضون سوريون أن تؤسس هذه الهدنة لتثبيت المواقع الحالية لطرفي الصراع بعد تركز المعارك عند خط الدفاع الأخير عن الأحياء الغربية التي يسيطر عليها النظام. سمير نشار، عضو الائتلاف السوري المعارض، قال لـ«الشرق الأوسط» بأن هدنة الـ48 ساعة المرتقبة قد تمتد لفترة أطول تمهيدا لإعلان التهدئة ووقف شامل لإطلاق النار انطلاقا من مدينة حلب، ورجح أن يكون هناك توجه لتثبيت الوضع الميداني على ما هو عليه بعدما باتت قوى الثورة والمعارضة على بُعد 100 متر فقط عن القلب الحيوي لحلب المتمثل بالأحياء الغربية التي تسيطر عليها قوات النظام. وأوضح نشار أن المعارك حاليا تتركز عند خط الدفاع الأخير عن أحياء النظام والمتمثل بخط يمتد من الراموسة حتى مبنى المخابرات الجوية، أي على مساحة تقارب الـ7 أو 8 كلم، لافتا إلى أن الأكاديمية العسكرية ومدفعية الزهراء وفروع الأمن كلها تتركز على هذا الخط. وأضاف: «في حال تمكن الثوار من السيطرة على قطاع الزهراء فذلك يعني دخولهم قلب الأحياء الغربية التي يعيش فيها المدنيون». واعتبر نشار أن «أي تطور من هذا النوع سيكون له تداعيات خطيرة، خاصة أن نحو مليون ونصف مدني يعيشون في الأحياء الغربية والشرقية لحلب، والمعارضة تعي تماما أن الدخول إلى الأحياء الغربية وتحريرها ليس بالقضية السهلة». وأردف «الأرجح أن الهدنة المطروحة هدفها تثبيت خطوط الاشتباك القائمة حاليا كما المواقع المتقدمة للمعارضة والإبقاء على قوات النظام على خط الدفاع الأخير عن الأحياء الغربية». في المقابل، أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف أن هدنة الـ48 ساعة التي وافقت عليها موسكو هدفها «إفساح المجال أمام إيصال المساعدات إلى سكان حلب»، مشيرا إلى أن «الموعد والوقت الدقيقين سيحددان بعد تلقي الأمم المتحدة المعلومات حول تحضير القوافل والضمانات من جانب شركائنا الأميركيين بأنها ستنقل بأمان». ومن جانبها، دعت وزارة الخارجية الألمانية يوم أمس إلى إيضاح تفاصيل الهدنة، التي أعلنت روسيا عن استعدادها لتطبيقها في حلب، في أسرع وقت ممكن. وقالت متحدثة باسم الوزارة اليوم الجمعة إنه «من المهم أيضا عدم تكثيف المعارك قبل بدء هذه الهدنة مثلما حدث أكثر من مرة من قبل في مواقف مشابهة». أما ستيفان دي ميستورا، الذي رحب مساء الخميس بالقرار الروسي فأفاد بيان صادر عن مكتبه أن «المبعوث الخاص يرحب بإعلان الاتحاد الروسي والفريق الإنساني للأمم المتحدة مستعد الآن للتحرك لمواجهة هذا التحدي». وتابع أن «الأمم المتحدة تعول على الاتحاد الروسي لتنفيذ جانبه من الاتفاق، وخصوصا العمل على أن تلتزم القوات المسلحة السورية بالهدنة بمجرد أن تدخل حيز التنفيذ». وأوضح أن الأمم المتحدة «تعول أيضا على كل من يمكنهم التواصل أو التأثير على المعارضة المسلحة، ولا سيما الولايات المتحدة (...) وكذلك غيرها من أعضاء المجموعة الدولية، لضمان أن تحترم المعارضة المسلحة أيضا الهدنة الإنسانية لمدة 48 ساعة». في هذه الأثناء، ميدانيا، احتدمت الاشتباكات في محيط الكلية الفنية الجوية بالراموسة والعامرية جنوب غربي حلب، بين قوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المعارضة والإسلامية - ومنها جبهة فتح الشام والحزب الإسلامي التركستاني - من جهة أخرى، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي قال: إن طائرات حربية أغارت على مناطق الاشتباك، بينما استهدفت فصائل المعارضة بصاروخ موجه، تجمعًا لعناصر من قوات الحكومة في ضاحية الأسد غربي حلب، ما أدى لمقتل وجرح عدد منهم. كذلك تحدث مدير المكتب الإعلامي لـ«تجمع فاستقم» محمد حاج قاسم عن «عملية عسكرية واسعة نفذتها قوات الأسد والميليشيات التي تقاتل إلى جانبها صباح الجمعة بمحاولة للتقدم باتجاه الراموسة واحتلال المنطقة وبالتالي قطع طريق الإمداد الوحيد الحالي للمعارضة»، لافتا إلى أن الهجوم كان عنيفا والغارات مكثفة. وقال قاسم لـ«الشرق الأوسط»: «الثوار تصدوا لهذه الحملة وتم استيعاب الصدمة واحتواؤها وإيقاع الكثير من الخسائر في صفوفهم، وقد تأكدنا من مقتل مجموعة من الضباط أصحاب رتب بينهم رائد ومقدم». ومن جهة ثانية، أفاد «مكتب أخبار سوريا» بمقتل تسعة مدنيين في بلدة خان طومان الخاضعة لسيطرة المعارضة بريف محافظة حلب الجنوبي، جراء استهداف الطيران الحربي الروسي لها.
مشاركة :