عصام الجردي قرار حكومة الوفاق الوطني في ليبيا تأليف لجنة موقتة لإدارة مؤسسة الاستثمار الليبية، خطوة مهمة لمتابعة مصير المليارات التائهة من ثروة الشعب الليبي في الخارج والداخل أيضاً. ولضخ الحياة في المؤسسات التي تشرف عليها أو تمتلكها وتديرها المؤسسة القابضة. وفروعها الداخلية والخارجية مصدر الموارد لهذا البلد. وفي مقدمتها النفط، وحيازات كبيرة في شركات مالية واستثمارية وعقارية خارجية. مع كل الاعتبارات السياسية والأمنية التي شلت عمل المؤسسات الدستورية في ليبيا، ما كان على فرقاء النزاع ترك هذا الملف معلقاً حتى الآن. والجميع متفق على أن رصيد مؤسسة الاستثمار الليبية ملكية عامة. وأخطر ما في هذا الملف، الغموض الذي يكتنف حجم الاستثمارات الخارجية، وإدارتها في محافظ المؤسسات الدولية. ومما لا شك فيه، أن تأخير إنجاز انتقال السلطة وانقسام المؤسسات الدستورية، تركا الاستثمارات الخارجية عرضة للاستلاب وسوء الاستثمار والخسائر. شبه المؤكد أن حكومة الوفاق الوطني لا تملك أرقاماً دقيقة عن أرصدة الحسابات النهائية الموقوفة لاستثماراتها في الخارج. ومن بينها مشتقات مالية مؤكسدة، تولت إدارتها غولدمان ساكس، وسوسيتيه جنرال وغيرهما. القضاء البريطاني أرجأ نظر الدعاوى على المؤسستين في لندن، لتبديد نحو 3 مليارات دولار أمريكي من توظيفات ليبية لديهما، لوجود مدعين ليبيين اثنين في قضية واحدة يتنازعان إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار في ليبيا، تبعاً لانقسام السلطة بين طرابلس الغرب والبيضاء شرقاً. تماماً كما كان الحال في مؤسسة النفط الوطنية والمصرف المركزي. المؤسستان الآن في يد سلطة الحكومة. ولا عذر لها ألاّ تسرع الدعاوى، وتتابع مصير الاستثمارات الأخرى وتكلف مؤسسات محاسبة ورقابة دولية مستقلة مساعدتها في هذا المجال. وبحسب تقرير مؤسسة ديلوت تبلغ موجودات مؤسسة الاستثمار الليبية نحو 67 مليار دولار. بعد ساعات على قرار تأليف اللجنة الموقتة لإدارة المؤسسة الجمعة الماضي، نقلت وسائل الإعلام اعتراضات على مكونات اللجنة، وكلها سياسية. في صرف النظر عن دوافع المعترضين، بيد أنه ليس من الحكمة العبث في هذه القضية التي تمس مصالح ليبيا الحيوية في مرحلة إعادة بناء الدولة، وقد فهمنا من قرار تأليف اللجنة الموقتة، أنه محظور عليها التصرف بأصول مؤسسة الاستثمار الليبية، ومطلوب منها أيضاً متابعة الدعاوى المضادة المرفوعة على المؤسسة في الخارج. والكل يعلم مدى نفوذ المؤسسات الاستثمارية الدولية وقدراتها على الولوج إلى القضاء. أخبرني محام لبناني خبير في التحكيم الدولي أن غولمان ساكس وسوسيتيه جنرال وظفتا أموالاً في منتجات مشتقة مع شركات مثل سيتي غروب وشركة كهرباء فرنسا ومصرف سانتاندير ومجموعة إيني للطاقة الإيطالية في 2008. وكانت كل المؤشرات تسير في اتجاه فقاعة الأزمة في الصيف. حققت نحو 400 مليون دولار أمريكي أرباحاً وطارت توظيفات ليبية بأكثر من مليار. حكومة ساحل العاج استقوت على ليبيا أيضاً وأممت في يونيو/حزيران الماضي شركة اتصالات غرين ستريم المملوكة من مؤسسة الاستثمار الليبية. ست دول كبرى في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، رحبت بتكليف لجنة موقتة لإدارة مؤسسة الاستثمار الليبية. ونزعم أنها على دراية بحجم موجودات المؤسسة أكثر من الحكومة الليبية. تقرير ديلوت الذي وضع في 2012 بناء على طلب من المجلس الانتقالي الليبي السابق، أفاد بأن 50 في المئة من استثمارات المؤسسة صناديق ومحافظ استثمارية تابعة للشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، والمحفظة الاستثمارية الليبية الإفريقية، والمحفظة الاستثمارية طويلة المدى، وشركة الاستثمارات النفطية والصندوق الليبي للاستثمار الداخلي والتطوير. والباقي محافظ أسهم لشركات كبيرة في الأسواق العالمية الرئيسية، ودخل ثابت من أسواق المال في سندات شركات وسندات حكومية، ومحفظة صناديق استثمارات بديلة. المصرف الدولي قدر تكلفة إعادة إعمار ليبيا بنحو 200 مليار دولار أمريكي، موزعة على سنوات عشر. تقديرات المؤسسات الدولية في دول مشابهة شهدت حروباً، تُبنى على توقعات مستقبلية بازدياد الطلب على خدمات البنى التحتية، عمّا كان عليه قبل الحرب، تبعاً لازدياد عدد السكان وحجم الاقتصاد وازدياد الخدمات وتطورها. الإحصاءات الاقتصادية والمالية عن ليبيا التي يمكن الركون إليها شحيحة جداً في الوقت الحاضر. صادراتها من النفط حالياً متقلبة، ونحو 400 ألف برميل يومياً، حداً أقصى. مسافة بعيدة عن 1.6 مليون برميل قبل الثورة في 2011. النفط والغاز مورد نحو 93 في المئة من العملات الأجنبية ونحو 60 في المئة من إيرادات الموازنة. الثروة لا تزال تحت الأرض والاقتتال فوقها ليس السبيل لاستخراجها واستثمارها لمنفعة الشعب الليبي ورفاهه واستقرار البلد. مفاتيح الموارد والنقد باتت في متناول الحكومة. وإعادة الإعمار تطول أو تقصر بإرادة الشعب الليبي وقياداته السياسية. مع تحريك ملف الاستثمارات الخارجية بات في ميسور الحكومة التوجه نحو مجلس الأمن الدولي لرفع الحظر عن موجودات مؤسسة الاستثمار الليبية. وهي زاد أساسي كي تتمكن ليبيا من تحريك شرايين الاقتصاد للإقلاع من جديد واختصار أعباء المرحلة الانتقالية من الفوضى والأمن المتردي، إلى البناء والعمل والاستقرار.
مشاركة :