قبل زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى روسيا بتاريخ 9/8/2016، كان اجتماع الرئيس الروسي بوتين مع الرئيس الإيراني روحاني، وفي اليوم التالي من زيارة أردوغان لروسيا جاء وزير الخارجية الإيراني إلى تركيا والتقى الرئيس التركي أردوغان والحكومة التركية، وأظهرت إيران أنها في حالة تفاهم تام مع تركيا وروسيا، وبعدها بيومين جاءت زيارة نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للكرملين في الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف إلى طهران، ومن هناك أعلن: أن بلاده وإيران اتخذتا قرارا بشأن إجراء محادثات ثنائية فعالة مع تركيا فيما يخص الملف السوري ومنطقة الشرق الأوسط على وجه العموم، ولفت بغدانوف: إلى إمكانية إجراء محادثات ثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا بشأن القضية السورية، كما أعلن: أنه سيجري زيارة إلى منطقة الخليج العربي في الأيام القادمة، سيلتقي خلالها بعدد من زعماء المعارضة السورية. هذه الجهود الروسية المكثفة مع ما يصاحبها من أعمال عسكرية همجية شرسة في سوريا وبالأخص في حلب تظهر أن السياسة الروسية تعمل لأخذ الدور الأكبر في تقرير مجريات الأمور في الشرق الأوسط، والخطير في الأمر أن توجه روسيا للمصالحة مع تركيا هي اقتصادية، ويقابلها شراكة في الحرب على الشعب السوري بطريقة وحشية دموية وإجرامية مع إيران، فقد شنت طائرات روسية يوم الثلاثاء 16/8/2016 غارات على الأراضي السورية انطلاقا من إيران، في خطوة غير مسبوقة، قرأ فيها المراقبون تحضيرًا لعملية عسكرية كبرى في سوريا بالتنسيق بين موسكو وطهران، والخسائر الأولية في الساعات الأولى زادت عن خمسين قتيلًا، وقد اعترفت وزارة الدفاع الروسية أن الطائرات الروسية توبولف 22 قد ضربت أهدافها من قاعدة جوية بمدينة همدان الإيرانية. وحتى لا يستنتج المراقبون طبيعة العلاقة المشبوهة بين طهران وموسكو قامت وزارة الدفاع الروسية نفسها بالإعلان: أن طائرات روسية بعيدة المدى من طراز تو 22 أم3 وأخرى هجومية من طراز سو 34 تتمركز في قاعدة همدان في إيران، وجاء في بيان للوزارة: أن الطائرات أقلعت بكامل عتادها من مدرج همدان في إيران وضربت في محافظات حلب ودير الزور وإدلب، وهذا تطور عسكري مشبوه بين إيران وروسيا، لم يتم الإعلان عنه قبل المصالحة التركية الروسية، وانطلاق الطائرات الروسية وبكامل حمولتها من قواعد إيرانية يعني أن الاتفاق الإيران الروسي العسكري قديم وليس جديدا، ولكن الإعلان عنه تم بعد المصالحة التركية الروسية، وكأن الرسالة ليست عسكرية فقط وإنما هي رسالة سياسية بالدرجة الأولى، فبالنظر إلى أن الطائرات الروسية المستعملة هي طائرات إستراتيجية فإنها كانت قادرة على القيام بهذه الطلعات من الأراضي الروسية، ولكن بوتين أراد أن يرسل رسائل عديدة ولأطراف عديدة، منها: 1 ـ الرسالة الأولى للشعب الروسي بأن لروسيا حلفاء في المنطقة، وأنها غير معزولة في سياستها الخارجية التوسعية الجديدة، فتركيا وإيران إلى جانبها، وليس بالضرورة أن تخسر أحدهما لصالح الآخر. 2 ـ أن روسيا أصبحت دولة كبرى وفاعلة على الساحة الدولية، فسوريا أصبحت تحت الهيمنة الروسية، والأراضي الإيرانية أصبحت مطارات وقواعد عسكرية للطائرات والذخائر الروسية، والأجواء العراقية مستباحة، وروسيا تملك أن تعطل مشاريع القرارات السياسية في مجلس الأمن بخصوص سوريا واليمن. 3 ـ الرسالة إلى الغرب بأن السياسة الروسية تستطيع التحرك في الشرق الأوسط، وأن تجعل من نفسها لاعبا أساسيا فيه، في ظل تراجع أمريكي واضح بالاهتمام بقضايا الشرق الأوسط، وكذلك انشغال أوروبي بمشاكله الداخلية. 4 ـ وروسيا لاعب سياسي قوي في وضع علاقته مع الدولة الإسرائيلية في حالة تحالف إستراتيجي معها، بل وإجراء مناورات عسكرية مشتركة معها في المتوسط، وهذا سيجعل روسيا ممسكة في أهم أوراق الصراع السياسي في المنطقة وبالأخص مع الدولة الإسرائيلية. لا بد أن السياسة التركي تأخذ هذه التطورات بعين الاعتبار، وهي في العديد من أبعادها لا تخلو من مخاطر على السياسة التركية، بل والأمن القومي التركي، ومن ثم أبعادها الاقتصادية مع روسيا، التي أسهمت بشكل أساسي في تقريب الأتراك والروس إلى بعضهما البعض، على أمل أن يكون التقارب السياسي المأمول قريبا أيضًا، وفي نفس السياق الذي عبر عنه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم بأن الستة شهور القادمة سوف تحمل أخبار تغيرات في المنطقة، وفي سوريا تحديدًا، وذلك بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى روسيا قبل أيام، ومفهوم المنطقة ليس بالضرورة أن يقتصر على الشرق الأوسط، فقد يتضمن جزيرة القرم وحوض البحر الأسود والخلاف الأذربيجاني الأرمني وغيرها. لم يكن صعبا على بوتين وأردوغان أن يعيدا العلاقات لما كانت من قبل وأحسن منها في أبعادها الاقتصادية، ولكن الأهم أن يكون لذلك نتائج سياسية أيضًا، ومدة الستة أشهر التي يعد بها يلدرم بدأت بمفاجآت غير سارة بالتعاون العسكري أو الشركة العسكرية الإيرانية مع روسيا لا تبشر بخير، فإذا كانت روسيا توزع الأدوار الاقتصادية مع تركيا لمكاسب تعود لروسيا أكثر من تركيا، سواء في قطاع السياحة أو الغاز أو بناء المفاعل النووي التركي أو السيل التركي الجنوبي، وتوزع الأدوار العسكرية مع إيران ومحورها، وأخيرا توزع الأدوار السياسية مع أمريكا وتفاهماتها معها في فيينا وجنيف واتفاقات وقف إطلاق النار وغيرها، فإن هذه الأطراف الثلاثة ستكون ألعوبة في سياسة روسية فاعلة وناجحة من وجهة نظر روسية على الأقل، ولكنها لن تكون كذلك من وجهة نظر تركية، لأن تركيا لن تقبل أن تكون العلاقات الاقتصادية مع روسيا أو إيران على حساب المراهنات الإقليمية في المنطقة. إن الخطر الأكبر الذي يزعج تركيا ويهدد أمنها القومي هو خطر إيجاد كيان كردي شمال سوريا، فهو يعني أولًا تقسيم سوريا، ويعني ثانيا استمرار القتال في سوريا إلى عقود قادمة، ويعني ثالثا عودة الأعمال الإرهابية إلى تركيا بصورة أكبر وأخطر، لأن مشروع الكيان الكردي في سوريا يتم بالاتفاق مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي، تحت أسماء الأحزاب الكردية في سوريا، مثل حزب الاتحاد الديمقراطي أو قوات حماية سوريا أو قوات سوريا الديمقراطية، وكلها فروع وأدوات بيد حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وقد وجدت فيها أمريكا ضالتها في محاربة داعش مقابل أطماع سياسية، وحتى تكسب أمريكا من هذه الأحزاب محاربة لداعش فإنها لم تسمع للمطالب التركية في سوريا، وأمريكا الآن أمام اختبار سياسي كبير بإعادة قوات سوريا الديمقرطية إلى شرق الفرات بعد أن سمحت لها تركيا بعبوره بضمانات أمريكية حتى دحر داعش، وقد تم طردهم من منبج قبل أيام. محمد زاهد جول الشرق القطرية
مشاركة :