صدق من قال: الأفكار تخترعها الذئاب٬ وتستثمرها الأرانب. أديسون٬ ماركوني٬ آينشتاين٬ سولك٬ باستور٬ وغيرهم٬ لا شك أنهم موهوبون أكثر منا نحن٬ البشر العاديين٬ الذين نتمتع عن بكرة أبينا بثمار عبقرياتهم. فأين هو الإنسان اليوم الذي ينسج ثوبه بنفسه٬ أو يضيء منزله بشمعه٬ أو يعالج نفسه بـ(الحلتيت). نحن أبناء القرن العشرين٬ والآن أصبحنا في القرن الواحد والعشرين٬ ومع مكاسبنا التي لم نتعب عليها كثيًرا٬ وكأن الحياة بالنسبة لنا (سهود ومهود)٬ وتحصيل حاصل. فمن هو منا الذي يعرف مكابدة (دارون) مثلاً٬ الذي «تشحطط» عدة سنوات في أميركا الجنوبية ليقف على (أصل الأنواع)؟! أو قدر لـ(فرويد) جهده عندما تغلغل في أعماق النفوس والنوازع البشرية ووضعها على المشرحة كأمراض أو غرائز تتحكم بنا دون أن ندري؟! لقد مرت البشرية بعشرات الأعوام إن لم يكن بملايينها وهي تعيش بالكهوف والغابات والصحارى مثلما تعيش الحيوانات السائبة. صحيح أن الله عز وجل أنزل الرسل ليعلموا الناس ويفصلوا بين الحق والباطل٬ وحصل كثير من العطاء٬ ولكن البشرية بواقعها العلمي لم تضع قاطرتها العظيمة على المسار الواقعي والمنطقي والعلمي إلا قبل قرنين من الزمن٬ وهذه المدة هي في عمر البشرية أقصر من القصير. وكان قبلها (لويس الرابع عشر) على أتم الاستعداد لأن يخسر نصف مملكته لو أنه حصل على ما يتمتع به اليوم أي إنسان في العالم الثالث من معطيات الحضارة المعاصرة. الآن أصبح أي إنسان يلبس على الأقل (زنوبة) بدلاً من الحفاء٬ ويركب قطاًرا بدلاً من الحمار٬ ويستمتع (بجوقة) موسيقية كاملة في التلفزيون وهو واضٌع رجلا على رجل في منزله٬ و(لويس الرابع عشر) كان يرهق نفسه في جلب المطربين والعازفين. وضحكت عندما قرأت أبيات شعر لـ(أسعد طراد) اللبناني الذي كان سابًقا عصره في خياله عندما قال هذه الأبيات سنة (1891): انظر لسلك البرق والتليفون كم قد قّربا ما كان منك بعيدا غنت سليمى في الحجاز فأطربت مع بعدها٬ أهل العراق نشيدا ولسوف إن رقصت بمصر فقد ترى في أصبهان٬ لقّدها تأويدا ويحق لي أن أقول للعم أسعد وهو في قبره مرتاح و(مرحرح): عم مساًء يا سيدي٬ اطمئن ففي هذه الليلة خاصة تحدثت أنا بالصوت والصورة٬ وكذلك بالحركة٬ مع فتاة سعفاء الخدين هي في لوس أنجليس تأكل الآيس كريم٬ وأنا في (الغاط) آكل (الهبيد). نقلا عن الشرق الأوسط
مشاركة :