إيران وروسيا: أعداء الأمس حلفاء اليوم

  • 8/21/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

«لقد اتسمت علاقاتنا مع روسيا بطبيعة إستراتيجية»، بحسب الأدميرال علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. ويضيف أنه «في سياق الحرب ضد الأعداء المشتركين، فإن كل قواعدنا متاحة لروسيا». جاء البيان التاريخي يوم الثلاثاء الماضي ردا على عاصفة احتجاج في إيران، بما في ذلك داخل مؤسسة الحكم، نتيجة للإعلان في موسكو أن قاذفات القنابل الثقيلة الروسية تستخدم قاعدة نوزه، قرب همدان، جنوب غربي طهران، لشن هجمات ضد أهداف في سوريا. يقول ناصر زماني، محلل الشؤون الإيرانية: «تسبب الإعلان في موسكو بحرج واضح للقادة الإيرانيين. وهم يعرفون أن لدى الإيرانيين حساسية شديدة تجاه استضافة أراضيهم لأي قوة أجنبية، وهو أمر لم يكن قد حدث حتى الآن». ومع هذا، فلم يكن من السهل القيام بمحاولة للتغطية على هذا الأمر، في وقت يحرص فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إظهار أن حكومته تعود الآن إلى الشرق الأوسط كقوة أجنبية كبرى ذات نفوذ. بعد ساعات على إعلان موسكو، أثار المسألة اثنان من أعضاء المجلس الإسلامي. دفع أحدهما، وهو محمد رضا فلاح – بيشة، بأن الوجود العسكري الروسي في إيران انتهك نص وروح دستور الجمهورية الإسلامية على السواء. وحقيقة الأمر أن المادة 146 تحظر بوضوح استخدام الأراضي الإيرانية من قبل أي قوة أجنبية «حتى ولو كان للأغراض السلمية» من قبيل عمليات إغاثة ضحايا الكوارث الطبيعية. وفي محاولة لتقليل التوتر قال رئيس المجلس علي أردشير لاريجاني بأن إيران لم «تمنح» روسيا القاعدة وإنما سمحت لسلاح الجو الروسي باستخدام المنشآت الإيرانية. وللتأكيد على هذه النقطة زعم علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي بالمجلس أن روسيا «أعطيت منشآت معينة» بمصادقة من المجلس الأعلى للأمن القومي. ومع هذا، فالمادة 176 من الدستور، التي تحدد وضع ومسؤوليات المجلس الأعلى للأمن القومي، تنص بوضوح على أنه ليس مخولا بتقديم مثل هذه التنازلات لقوى أجنبية. يمكن للمجلس دراسة إمكانيات التعاون وعمل توصيات لا يمكن تنفيذها إلا بمصادقة مجلس الوزراء، ومجلس الشورى الإسلامي، والمرشد الأعلى. وفي هذه الحالة فإن أيا من هذه الخطوات لم يحدث. على مدار ما يزيد على 200 عام، كان لرفض إيران السماح بالوجود العسكري الأجنبي على أراضيها أضرار كبيرة على سياساتها الخارجية والمحلية. في 1856 - 57 تنازلت إيران عن محافظة هرات، التي هي جزء الآن من أفغانستان، بعد هزيمتها على يد قوة تدخل سريع بريطانية. ومع هذا، ففي معاهدة باريس التي أنهت الأزمة، رفضت إيران مطالب بريطانيا بوجود قاعدة عسكرية في شبه جزيرة بوشهر. في 1911، قام الروس بغزو محافظة جيلان شمال إيران، سعيا لإنشاء قاعدة عسكرية بهدف السيطرة على كافة سواحل بحر قزوين. من جديد، رفضت إيران الضعيفة والمرتبكة بفعل الحرب الأهلية بين الدستوريين وأنصار الحكم الاستبدادي المدعومين من موسكو، رفضت الرضوخ للمساعي الروسية. وفي 1921، أرسلت بريطانيا قوة تدخل سريع من العراق عبر إيران لدعم جمهوريات القوقاز الناشئة، في جورجيا وأرمينيا، ضد النظام البلشفي الجديد في موسكو. سمحت إيران، التي كانت هي الأخرى في رعب من النظام البشلفي، للبريطانيين بسلك الطريق المناسب لكنها رفضت السماح لهم بإنشاء قاعدة عسكرية. وفي الثلاثينات، طور رضا شاه، مؤسس أسرة بهلوي، علاقات وثيقة مع ألمانيا النازية ضد أعداء إيران التقليديين: روسيا وإنجلترا. لكن حتى مع هذا رفض السماح لـ هتلر ببناء قاعدة مراقبة واستطلاع، وعند اللزوم، منع مرور السفن البريطانية في الخليج إلى الهند. وفي الخمسينات انضمت إيران إلى حلف بغداد مع تركيا، والعراق تحت الحكم الملكي، وبريطانيا العظمى. في البداية، كان من المتوقع أن تنضم الولايات المتحدة هي الأخرى للحلف ضمن إستراتيجية وزير الخارجية جون فوستر دالاس «الحزام الشمالي»، لضرب طوق حول الاتحاد السوفياتي. ومع هذا، رفض الأميركيون أن يكونوا أعضاء كاملين لسببين، وكلاهما يتعلق بإيران؛ لن يسمح الإيرانيون للولايات المتحدة ببناء قاعدة على أراضيهم. كما ولن يوافقوا على أن توضع القوات الإيرانية تحت قيادة أجنبية في سياق حلف بغداد (انهار الحلف في 1958 عندما استولى الجنرال عبد الكريم قاسم على السلطة في العراق. ولاحقا تغير اسم الحلف إلى منظمة المعاهدة المركزية، من دون العراق). وخلال الفترة القصيرة التي شغل خلالها الدكتور محمد مصدق، الرجل الذي عينه الشاه لتنفيذ عملية تأميم النفط بعد مصادقة المجلس على ذلك، فعل السوفيات كل ما وسعهم من أجل الحصول على وجود عسكري في إيران في وقت كان فيه المزاج العام الإيراني معاديا لبريطانيا بشدة. صاغ مصدق سياسته الخارجية بوصفها «التوازن السلبي» بشعار «لا الشرق ولا الغرب». وفي الستينات ظهرت إيران كواحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة وظلت كذلك حتى عام 1979، عندما استولى الملالي على السلطة. ومع هذا، فحتى في ذلك الحين لم تسمح إيران للأميركيين ببناء قواعد في إيران. بعد الاستيلاء على السلطة في 1979، بدعم من أنصار مصدق، وأنصار ستالين وطيف متنوع من الجماعات اليسارية، تبنى الخميني شعار مصدق، «لا شرق ولا غرب». تخلى خليفته، المرشد الأعلى علي خامنئي، عن ذلك الشعار في وقت سابق من ذلك العام، واستبدل به شعارا جديدا هو «النظر شرقا». يحاكي هذا الشعار أجواء الحرب الباردة عندما كانت الكتلتان الغربية والشرقية تقسمان العالم. ومع هذا، فاليوم، ومع سقوط الاتحاد السوفياتي، لم تعد روسيا تقع إلى الشرق من إيران، وإنما إلى الشمال. وهذا لا يشير إلى معرفة خامنئي المتواضعة بالجغرافيا؛ إنما هو إشارة على أن الرجل يشعر أن الحرب الباردة القديمة قد عادت في ثوب جديد، وأن عليه أن ينحاز إلى أحد الأطراف. يقول علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الحالي لخامنئي: «النظر شرقا كإستراتيجية هو نوع من الضمانة. نعرف أن النظام العالمي القديم قد انهار ولا أحد، ولو كان أكثر أهل الأرض حكمة، يعرف ما سيجري غدا. وفي أوقات عدم اليقين، يكون من الحكمة والحصافة أن يكون لديك حليف قوي». ومع هذا، فقد تكون محاولة ولايتي وضع روسيا في دور الحليف الإستراتيجي سابقة لأوانها. ويرى بعض المراقبين الإيرانيين شهر العسل الحالي كخطوة تكتيكية. ويقول صادق زيبا - كلام، الأستاذ بجامعة طهران: «تعمل إيران وروسيا بشكل وثيق لأن كلتيهما لا تريد أن تتعرض للهزيمة في سوريا. كما أن طهران وموسكو كلتيهما مناهض للأميركيين، ويأمل باستغلال الفرصة التي سنحت من خلال تراجع أوباما، لسد الفجوة في الشرق الأوسط. ويعتبر استخدام الروس للقواعد الإيرانية خطوة تكتيكية محدودة الأهداف». غير أن هناك آخرين لا ينظرون لهذه الخطوة من نفس الزاوية. يقول والي نصر، مستشار سابق للرئيس الأميركي أوباما وهو من الأصوات التي تناصر في الولايات المتحدة منذ وقت طويل فصيل رفسنجاني «المعتدل» في طهران. على مدار 36 عاما يقوم أنصار الخميني بحرق علم الولايات المتحدة علنا وسط هتافات «الموت لأميركا» لكن العلم الذي يحرقه المتظاهرون اليوم هو العلم الروسي، مع هتافات «تسقط روسيا»! قد لا يكون لهذه المظاهرات الصغيرة تأثير يذكر، ولكنها تشير إلى وجود رهاب قوي من روسيا في الثقافة السياسية الإيرانية. ولرهاب روسيا تاريخ طويل في إيران. بدأ هذا بالحروب التي شنها القياصرة ضد بلاد فارس الضعيفة من نهايات القرن الثامن عشر وحتى عام 1930، والتي من خلالها قاموا بالاستيلاء على أجزاء ضخمة من الأراضي الإيرانية في القوقاز ووسط آسيا. في القوقاز، وعلى مدى أربعة عقود من الحروب المتقطعة، فقدت إيران داغستان وأوسيتيا، وأبخازيا، وجورجيا، وأجاريا، وآران (أذربيجان الحالية) وأرمينيا، والتي ضمتها روسيا كلها إلى أراضيها. أما في وسط آسيا، فضم الروس بعضا من مراكز الثقافة الفارسية كبخارى وسمرقند وميرف. وفي عام 1829، هاجم مجموعة من الغوغاء السفارة الروسية في طهران، فقتلوا معظم موظفيها بمن في ذلك الوزير المفوض أليكسندر غريبويديف، الذي فصلت رأسه عن جسده ووضعت على فطيرة وعرضت في وسط طهران... (كان غريبويديف شاعرا وكاتبا مسرحيا أيضا)! كان بطرس الكبير وكاترين الكبرى يحلمان بضم إيران كلها إلى روسيا، ومن ثم يكون بمقدور روسيا الوصول إلى المياه الدافئة في المحيط الهندي. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، كانت روسيا قد حولت بحر قزوين، الذي كان بحيرة إيرانية على مدى قرون، إلى منطقة روسية وحرمت إيران حتى من أن يكون لها سفن تجارية فيه. استمرت روسيا في احتكارها لتجارة الكافيار المربحة حتى قامت إيران بتأميم هذه الصناعة في 1951. وكانت روسيا في عام 1909، وقعت على معاهدة مع بريطانيا العظمى، العدو الآخر لإيران في ذلك الوقت، لتقسيم البلد إلى منطقتي نفوذ. قاومت الحكومة الدستورية الجديدة في ذلك الوقت، ذلك المخطط وأكدت آخر ما تبقى من استقلالية البلد. بعد ذلك بعامين، نشر الروس قوات برية على الجانب الإيراني من بحر قزوين، لدعم الزعماء الإقطاعيين والملالي الذين حاولوا، وأخفقوا في إطاحة الحكومة الدستورية الجديدة. قام الروس بغزو إيران مرة أخرى خلال الحرب العالمية الأولى وغادروا فقط بعد الثورة البلشفية في 1917. في 1919، وصل فريق من «المستشارين العسكريين» البلشاف إلى غيلان، على الجانب الإيراني من بحر قزوين، للعمل على قيام جمهورية انفصالية تقودها «حركة جانغال» أو حركة الغابة، كجزء من إستراتيجية الكومنترن تحت قيادة غريغوري زينوفييف لـ«إشعال الشرق». وعندما فشلت المحاولة في 1922، وقع البلشاف اتفاقية مع طهران، بموجبها حصلت إيران على الحق في نشر قوات في إيران متى شعرت بتهديد من وجود قوى أجنبية. وبحلول عام 1940، كانت روسيا قد خسرت نفوذها الواضح على إيران فيما كان جهاز الخدمة السرية السوفياتي «إن كيه في دي»، اكتسب وجودا سريا من خلال إنشاء حزب توده الشيوعي في طهران، والفرقة الديمقراطية، وهي نقطة طليعية انفصالية، في محافظة أذربيجان. وبعد عام، كانت القوات الروسية قد عادت، لكن هذه المرة في إطار تحالف مع بريطانيا، بهدف استخدام إيران كـ«جسر للنصر» لإمداد الجيش الأحمر في مواجهة الغزو النازي في أوروبا. (انضمت إلى القوات الأميركية إلى هذا الثنائي لاحقا). وفي نهاية الحرب، رفض ستالين سحب قواته من محافظتي أذربيجان وكردستان الإيرانيتين، بنية تحويلهما إلى كيانين مستقلين، ومن ثم ضمهما بعد ذلك إلى الاتحاد السوفياتي. ومع هذا، فقد نجحت إيران – المدعومة من الولايات المتحدة الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي في ذلك الوقت – في إرغام ستالين على سحب قواته، بعد أن هددت طهران بشن حرب إقليمية، لم يكن مستعدا لها الاتحاد السوفياتي المستنزف في ذلك الوقت. وبحلول الستينات، كان الاتحاد السوفياتي قد صار لاعبا هامشيا في إيران. حاول الضغط على إيران للنأي بنفسها عن الغرب من خلال دعم الأنظمة التي تتبنى القومية العربية في مصر وليبيا وسوريا والعراق، والتي شنت حرب بروباغندا ضد نظام الشاه. ولقد كان اللعب بالورقة الروسية جزءا مهما من إستراتيجية الرئيس محمود أحمدي نجاد فيما يرى أنه جهاده لخلق «عالم خال من الولايات المتحدة». كان يحلم بمحور مناهض لأميركا يضم الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وسوريا والسودان وفنزويلا، ولذا فقد مضى لاستمالة روسيا: - في 2005، أعلن أحمدي نجاد أن إيران تعتبر المعاهدات الملغاة مع روسيا معاهدة سليمة. وكان يبدو ذلك كإنذار دبلوماسي إلى الولايات المتحدة لئلا تقوم بعمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية، لأن خطوة كتلك يمكن أن تؤدي لتدخل عسكري من جانب روسيا. - في 2007، تخلى عن الدعم الإيراني لاستقلال كوسوفو، رغم حقيقة أن 98 في المائة من سكان الجمهورية الوليدة مسلمون. انضمت إيران إلى روسيا في رفض طلب كوسوفو الحصول على عضوية الأمم المتحدة. - تخلى أحمدي نجاد عن سياسة إيران المتعلقة بحماية اللاجئين، من خلال تسليم العشرات - دَعَم أحمدي نجاد الغزو الروسي لجورجيا وضمها لشمال أوسيتيا وأفخازيا، استكمالا لسياسة التعاون مع روسيا وأرمينيا ومنطقة جنوب القوقاز للحد من النفوذ الأميركي. - في عام 2012، تقدمت إيران بطلب عضوية لما يسمى «مجموعة شنغهاي»، وهو تحالف إقليمي أوجدته موسكو والصين وجمهوريات وسط أسيا. - وقد اعتُبرت المجموعة الموالية للولايات المتحدة المعروفة باسم «نيويورك بويز»، التي يرأسها حسن روحاني في البداية كضربة موفقة لمجموعة «الأميركان الآن». غير أنه بات واضحا الآن أن الحكومة الرسمية للجمهورية الإسلامية لا تتمتع إلا بسلطات ضئيلة في صياغة علاقاتها الخارجية، إذ أن القوة الفعلية تقع في يد خامنئي. - وبمراجعة سياسة التنوع السابقة، فقد قررت الجمهورية الإسلامية منح روسيا غالبية عقود إنشاء المحطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية. - غير أن بعض المراقبين يرون أن الروس ربما يخدعون إيران. - يؤيد غلام رضا باقرزادة، مدير البرنامج النووي الإيراني، هذا الرأي، حيث يقول إن «الروس يلعبون بورقة إيران لضمان بعض التنازلات من الولايات المتحدة، ولا تنوي روسيا السماح لنا بامتلاك صناعة نووية حقيقية». وقعت إيران أكبر صفقة سلاح بين الدولتين لشراء نظام صواريخ 300 إس المضاد للطائرات، وبدأت موسكو في تركيب المنظومة في إيران الربيع الماضي. واستجابة لضغط خامنئي لتقليل عدد الطلاب الإيرانيين الدارسين في الغرب وفي الجامعات الهندية والصينية، ارتفع عدد الإيرانيين الذين يتلقون تدريبا في روسيا أربع أضعاف الرقم السابق. وتقوم روسيا بتدريب مئات من رجال الأمن الإيرانيين وتزود إيران بمعدات لمكافحة الشغب. ويزعم بعض المحللين أن السياسة الموالية لروسيا تعكس رؤية المرشد الأعلي علي خامنئي. ويزعم محمد محسن سازغرا، العضو السابق في الحرس الثوري الإيراني والذي انشق وانتقل للعيش في الولايات المتحدة، أن خامنئي أسس علاقات مع جهاز الاستخبارات الروسية (كي جي بي)، قبل سنوات من الثورة الخمينية. وفي هذا الوقت كانت الفكرة السائدة هي أن الاتحاد السوفياتي، باعتباره القوة الوحيدة التي تتصدى للولايات المتحدة، سوف يساعد الخمينيين على تحطيم النظام الإيراني الموالي للغرب. ووفق تلك النظرية، فقد قضى خامنئي عاما كاملا، ربما 1974 - 1975، في حضور دورات خاصة في جامعة «باتريس لومومبا» التي تخصصت في تدريب ثوار العالم الثالث. غير أن هذا الادعاء صعب الإثبات لأن خامنئي لم يكن شخصية معروفة بعد في خراسان البعيدة، في الوقت الذي كانت علاقة الاتحاد السوفياتي جيدة مع شاه إيران. وبحسب تحليل فيلياتي، يعتقد خامنئي أن روسيا، رغم ضعفها الشديد حاليا مقارن بوضعها السابق، فإنها تستطيع مساعدة الجمهورية الإسلامية في تحطيم النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. ربما يكون الدعم الروسي للنظام الخميني أقل صلابة مما يدعي ساذغارا وغيره، ورغم ذلك، فإن الانطباع في إيران هو أن نظام فلاديمير بوتين هو الداعم الأجنبي الرئيسي للحكومة الدينية في طهران. ويعتبر حرق العلم الروسي أحد طرق الإيرانيين لإرسال رسائل إلى موسكو. من السابق لأوانه قياس التحول الإيراني تجاه روسيا، فتصريحات شمخاني توحي بأن روسيا الآن باتت قادرة أيضا على استخدام القواعد البحرية الروسية في الخليج وفي خليج عمان لفرض قوتها في الخليج العربي وفي خليج عدن، وفي المحيط الهادي من ورائهما. فمع سقوط الاتحاد السوفياتي، فقد الأسطول البحري الروسي قدرته على النفاذ لمختلف بقاع العالم. ففي الشرق وقف الأسطول من دون حراك لشهور لأسباب مناخية، وفي البحر المتوسط، لم يعد للأسطول الروسي حق إرساء سفنه في يوغوسلافيا السابقة، وبدلا من ذلك تقلص وجوده ليقتصر على وجود بسيط بميناء طرطوس السوري. يتمتع الأسطول الروسي بمرافق في ميناء أم القصر العراقي، لكنه فقد تلك الميزة بعد الغزو العراقي للكويت عام 1991. فقدت روسيا مرافقها أيضا بجزيرة سوقطرة بجنوب اليمن، والتي لم نشاهد عند زيارتنا لها عام 2008 سوى حطام قواعد مهجورة. تستطيع مرافق القواعد العسكرية بالمياه الإيرانية مساعدة الروس لبناء أسطول فريد في المياه الزرقاء يليق بدولة تريد استعراض قوتها. ولن تكون روسيا قادرة على إضعاف النفوذ الأميركي المتضائل في المنطقة فحسب، بل ستتمكن أيضا من منع ظهور الصين كقوة منافسة في منطقة تهيمن أوروبا وأسيا على يابستها. ربما كان هذا هو السبب في أن روسيا انضمت إلى إيران والهند في تطوير ميناء «تشابنهار» الذي يعتبر وجهة التجارة والأمن في الجانب الإيراني من خليج عمان. وسوف يربط الميناء وسط أسيا بالعالم الخارجي في مواجهة وجهة أخرى تبنيها الصين في باكستان غوادار في البحر العربي بالقرب من ميناء تشابنهار. في المقابل، يأمل النظام الإيراني في كسر عزلته الإقليمية وفي تثبيت حكومات موالية له في بغداد ودمشق وبيروت، وإخافة حلفاء الولايات المتحدة مثل مصر وتركيا ودفعهم إلى الاستسلام. بيد أن التحالف الروسي الإيراني يعاني من ضعف شديد، حيث لا يثق أي من الجانبين في الآخر، ولن ينسى أي منهما التاريخ المليء بالصراعات والحروب والعنف والدماء.

مشاركة :