تعطي مدرسة لارانس جنوب غربي فرنسا حصصاً تعليمية غير اعتيادية يعمد خلالها التلامذة الناطقون باللغتين الفرنسية و «الاكسيتانية» (القسطانية) إلى الصفير باستمرار، ما يبث الروح في لغة طواها النسيان في هذه المنطقة، لكنها لا تزال موجودة في اليونان وفي جزر الكناري الإسبانية. ويشارك في إعطاء هذه الحصص المدرس في جامعة «بو» الفرنسية فيليب بيو الذي جاء الى المدرسة لمساعدة زميلته نينا روث مدرسة اللغة «الاكسيتانية» في مدرسة «لارانس»، ويحاول بول ابن الثانية عشرة بصوت رفيع ترديد جملة تلفظ بها أستاذه من خلال وضع إصبعين تحت اللسان وسط تصفيق زملائه المتحمسين، قبل أن يعمد إلى ترجمتها بالفرنسية. وتوضح نينا روث ان حصة زميلها فيليب بيو تحفز التلامذة، قائلةً: «للتمكن من الصفير، يجب أن تكون متمكناً من اللغة «الاكسيتانية»، وبما أن الصفير أمر مسل بالنسبة لهم، هم يحرزون تقدماً سريعاً بهذه اللغة». وتُعتبر «الاكسيتانية» أو القسطانية لغة رومانسية تنتشر جنوب فرنسا وشمال غربي إيطاليا وشمال شرقي إسبانيا «أوكسيطانيا»، تتأصل تسميتها من اللاتينية. وتواظب قلة من التلامذة في مختلف المراحل التعليمية على تعلم لغة «الصفير» هذه، لكنها «أقل إثارة للضجر مقارنة بتعلم الإنكليزية» بحسب بول الذي يثني على الطابع المرح لهذه اللغة. لكن شارلوت وفيليبين البالغتين 14 و12 عاماً تتعلمان هذه اللغة بأسف كبير سببه «عدم التمكن حتى الآن من إصدار أي أصوات». حالياً، يشارك أستاذ يوناني متخصص في لغة «الصفير» في قرية آنتيا الواقعة في جزيرة ايفيا اليونانية في هذه الحصة، معلماً التلامذة كيفية إلقاء التحية بهذه اللغة، ويؤكد المدرس فيليب بيو ان تقنية التدريب التي يمارسها «تسمح باستعادة أي لغة كانت من خلال الصفير». وأعيد إطلاق تقليد لغة الصفير في بيارن، جنوب غربي فرنسا في خمسينات القرن الماضي بفضل عالم الصوتيات رينيه غي بونيل الذي أنجز الدراسة الأولى في هذه اللغة في قرية آس التي تضم 70 نسمة والواقعة على بعد بضعة كيلومترات من لارانس. ولاحظ بونيل أن سكان هذه القرية اعتادوا على التواصل من مسافات بعيدة مثل التحادث من قاطع جبل الى آخر بفضل صافرات قد تصل الى مدى كيلومترين. وكانت هذه اللغة لتزول تماماً لولا عزيمة المتشبثين بها ممن أطلقوا منذ العام 2011 جمعية «لو سيولار داس» (مصفرو آس) التي يعملون من خلالها على إيجاد تدابير لحماية وتطوير هذه اللغة التي تُمارس بأشكال عدة في مناطق جبلية مختلفة في البلدان المتوسطية من جزر الكناري الإسبانية الى اليونان مروراً بالمغرب وتركيا. ويوضح رئيس الجمعية جيرار بوشو وهو أستاذ متقاعد أنه ذهب في العام 2006 «إلى منبع تعليم لغة الصفير»، قائلاً: «راقبنا الطريقة التي تُدرّس فيها هذه اللغة في غوميرا (جزر الكناري) ما شكل حافزا لنا، قلنا إنه يجب نقل هذه الطريقة الى منطقتنا، لدينا جوهرة لغوية يجب الحفاظ عليها». وينتهي اليوم في جامعة بو بـ«حصة مركزية» يشارك فيها أستاذ لغة الصفير اليوناني لمناسبة آخر الحصص المقدمة هذه السنة من جانب فيليب بيو، وتكمل هذه الدروس مواد أخرى اختيارية للغة «الاكسيتانية» موجهة لجميع الطلبة في قسم الآداب أو العلوم.
مشاركة :