استقطبت قبرص شركات نفطية كبرى في جولة التراخيص الثالثة، ومن المتوقع الإعلان عن أسماء الشركات الفائزة قبل نهاية السنة. يأتي هذا الاهتمام بالاستكشاف في المياه القبرصية على خلفية اكتشاف حقل «زهر» في المياه المصرية في آب (أغسطس) 2015. ويعتبر «زهر» أكبر حقل غازي اكتُشف حتى الآن في مياه شرق المتوسط (نحو 25 - 30 تريليون قدم مكعبة). والمهم في «زهر» ليس حجمه الكبير، لكن أيضاً الطبقة الجيولوجية التي تم الاكتشاف فيها، (كاربونيت روك فورمايشن)، وهو أول اكتشاف في هذه الطبقة الجيولوجية في شرق المتوسط، والتي لم تعرها الشركات الاهتمام الكافي سابقاً. لكن أدى اكتشاف «زهر» الى لفت نظر الشركات النفطية الى إمكان امتداد هذه الطبقة الى المياه المجاورة. ويذكر أن «زهر» يقع كلياً في المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية، على بعد خمسة أميال تقريباً من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص. قدمت شركات النفط عروضاً للاستكشاف في المياه القبرصية الجنوبية المحاذية للمياه المصرية. وهذه الشركات هي كونسورتيوم «إكسون موبيل» الأميركية مع «قطر بتروليوم»، و«شتاتويل» النروجية، وكونسورتيوم «كوبريكون» والشركات الإسرائيلية «إفنر» و«ديليك»، وكونسورتيوم لشركة «ايني» الإيطالية و«توتال» الفرنسية. كما قدمت «ايني» عرضاً خاصاً بها، علماً أن «ايني» و«توتال» شاركتا في جولات التراخيص السابقة، لكن نتائج الاستكشاف والحفر لم تكن مشجعة، فكانتا على وشك الانسحاب. لكن قررتا على ضوء اكتشاف «زهر» الاستمرار والعمل في القطع البحرية الجنوبية الواعدة. لاهتمام شركات كبرى بالمياه القبرصية دلالاته. لقد مرت قبرص بوضع صعب خلال جولات التراخيص الأولى والثانية. فلم يكن هناك طبعاً أي اكتشاف سابق قبل الجولة الأولى. وصاحبت هذه الجولة تهديدات تركية ضد عمل الشركات النفطية في المياه القبرصية. فقد أعلنت تركيا أنها ستقاطع أي شركة عالمية تستكشف في المياه القبرصية. وبالفعل، منعت «ايني» من العمل في أراضيها، والقضية هي الآن أمام المحاكم لتقرير شرعية المقاطعة التركية التي تشمل جوانب عدة. لكن على رغم ذلك، قدم كونسورتيوم «نوبل إنرجي» الأميركية و«ديليك» الإسرائيلية طلباً على القطعة رقم 12 المحاذية للمياه الإسرائيلية، وهذا الكونسورتيوم هو الذي كان قد اكتشف سابقاً حقل «ليفايثان» في المياه الإسرائيلية، كما اكتشف حقل «أفرودايت» في المياه القبرصية، وهو يبعد نحو 30 ميلاً من حقل «ليفايثان». ويبلغ احتياط «أفرودايت» نحو 5 تريليونات قدم مكعبة. ويعتبر هذا الاحتياط كافياً للاستهلاك الداخلي لقبرص، لكن أثيرت أسئلة عدة حول فائدة تصدير الكمية المحدودة المتبقية من الاحتياط من جانب قبرص، نظراً الى التكاليف الباهظة للتصدير. كما لاقت قبرص صعوبة عند طرح جولة التراخيص الثانية. إذ عانت في حينه أزمة مالية ضخمة أدت الى إفلاس بعض كبار مصارفها، ما أثر في إمكاناتها في تشييد البنى التحتية اللازمة كي تصبح مركزاً إقليمياً لتصدير غاز شرق المتوسط، كما كان يخطط في حينه. وفاز كونسورتيوم لشركة «ايني» مع «كوغاس» الكورية في هذه الجولة، إضافة الى «توتال». لكن نتائج الاستكشاف والتنقيب لهاتين الشركتين لم تكن مشجعة. وفي جولة التراخيص الثالثة، طرحت قبرص ثلاث قطع بحرية في المياه الجنوبية. وتشجعت الشركات على المشاركة في المناقصة على ضوء اكتشاف حقل «زهر». لكن برزت تحديات أخرى، فقد طرحت المناقصة خلال فترة انهيار أسعار النفط والغاز، أي في فترة قلصت الشركات النفطية استثماراتها في حقول جديدة في مختلف أنحاء العالم، كما قلصت نفقاتها. وبالفعل، سجلت أسعار الغاز معدلات متدنية في حينه. فقد انخفض سعر الغاز المسال من الى 8 الى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أسواق الشرق الأوسط، إضافة الى وجود نحو 5000 قطعة مطروحة للاستكشاف عالمياً، وفقاً لوزير الطاقة القبرصي يورغوس لاكوتريبس، ما يشكل منافسة قوية أمام القبارصة. والسبب في هذا العدد الضخم من القطع المطروحة للاستكشاف، تأجيل الشركات النفطية الاستثمار في حقول جديدة خلال السنتين الماضيتين. تترقب صناعة الغاز القبرصية نتائج الاستكشاف والحفر من جانب الشركات التي سيتم اختيارها في جولة التراخيص الثالثة. إذ إن اكتشاف حقل «أفرودايت» يعتبر كافياً للاستهلاك المحلي، لكن الكمية المتبقية للتصدير ستكون ضئيلة. وهذا يعني تحمّل تكاليف باهظة لتصدير الكمية المتبقية، كما سيعني ضرورة تعاون قبرص مع مشروع إقليمي للتصدير، من أجل خفض النفقات والتعاون في التسويق. أما في حال تحقيق اكتشاف أو أكثر في الجولة الثالثة، فهذا سيوفر خيارات أكثر للتصدير ومع شركاء متعددين، إذا اقتضى الأمر. تدل الاكتشافات الغازية في شرق المتوسط حتى الآن، على التجربة المعروفة في الاكتشافات. فمن الضروري الانتظار سنوات بل عقوداً للحصول على خريطة جيولوجية وافية لبلد ما. ومن ثم، يتبع طرح المناقصات، الواحدة تلو الأخرى. وبعدها تأتي مرحلة الاستكشاف والتنقيب ثم، عند الاكتشاف، تطوير الحقول. وهذه الخطوات جميعها تتطلب وقتاً طويلاً ونفقات باهظة، بخاصة في المياه العميقة، كما هو الوضع في مياه شرق المتوسط. وتختلف المفاوضات مع الشركات على ضوء نتائج الاكتشافات، حيث يتحسن موقف الدولة المنتجة في التفاوض خلال الجولات اللاحقة على ضوء عدد الاكتشافات وحجمها. تتوقع الصناعة البترولية استهلاكاً متزايداً للغاز في المستقبل. وترتفع معدلات استهلاكه في الشرق الأوسط، خصوصاً مع تغيير محطات الكهرباء القديمة المعتمدة على وقود النفط الخام أو المنتجات البترولية أو الفحم، واستبدالها بالغاز نظراً الى مزاياه البيئية. وقد بادرت فعلاً غالبية الدول المنتجة الكبرى في الشرق الأوسط (باستثناء العراق الذي لا يزال يحرق كميات ضخمة من الغاز المصاحب) الى تكثيف استعمال الغاز في محطات الكهرباء والمصانع ومحطات التحلية. * كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة
مشاركة :