باريس: ميشال أبو نجم سيكون للملف السوري الأولوية اليوم في المحادثات التي سيجريها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ونظيره الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، عقب الاستقبال الرسمي للرئيس هولاند الذي توجه للولايات المتحدة في زيارة تدوم حتى غد (الأربعاء). ويأتي اللقاء فيما انطلقت الجولة الثانية من مفاوضات «جنيف 2»، وبدأت في مجلس الأمن مشاورات بشأن استصدار قرار يركز على الجوانب الإنسانية. وفي مقالة مشتركة لهما، نشرتها أمس صحيفتا «لوموند» الفرنسية و«واشنطن بوست» الأميركية، حرص الرئيسين عل إبراز تفاهمهما بصدد الملف السوري. وجاء في الفقرة المخصصة للملف المذكور أن «التهديد المتميز بالصدقية باللجوء إلى القوة أفضى إلى التوصل إلى اتفاق بشأن تدمير الأسلحة الكيماوية السورية، ويتعين على سوريا أن تنفذ التزاماتها، وعلى الأسرة الدولية أن تضاعف جهودها لتوفير المساعدة للشعب السوري ولدعم المعارضة السورية المعتدلة والعمل في إطار مؤتمر (جنيف 2) على تحقيق الانتقال السياسي الذي يعتق الشعب السوري من الديكتاتورية والإرهاب». وتضمنت الفقرة إشارة إلى أن الحرب «الأهلية» في سوريا «تهدد استقرار المنطقة ولبنان تحديدا». بيد أن حرص باريس وواشنطن على إبراز وحدة الموقف من الملف السوري اليوم لا يمحو تماما من الأذهان «الخيبة» الفرنسية من تراجع الرئيس أوباما عن توجيه ضربة عسكرية لقوات النظام السوري، بسبب استخدامها السلاح الكيماوي على نطاق واسع في أغسطس (آب) الماضي، وخيبة باريس كانت مضاعفة لأن فرنسا كانت الطرف الغربي الوحيد الذي وقف إلى جانب أوباما بعد تصويت مجلس العموم البريطاني ضد المشاركة في الضربة. وسبق لمصادر فرنسية رفيعة المستوى أن قالت لـ«الشرق الأوسط» إن تراجع واشنطن «شكل انعطافة استراتيجية» في مسار الأزمة السورية، لأن النظام «فهم أن الخيار العسكري ضده دفن نهائيا» وأن «الخطوط الحمراء» في المفهوم الأميركي «ليست حمراء تماما». وتساءلت المصادر المشار إليها عما إذا كان لواشنطن «سياسة واضحة» في سوريا، وهو ما تناوله وزير الخارجية جون كيري قبل أيام، عندما عدّ، وفق أعضاء في مجلس الشيوخ، أن سياسة بلاده «لم تنجح» هناك. رغم هذه التحفظات، فإن باريس التي دعت طويلا إلى «إعادة التوازن الميداني» بين النظام والمعارضة، كسبيل وحيدة للتوصل إلى حل سياسي، عبأت كل إمكاناتها من أجل دفع المعارضة المترددة إلى المشاركة في «جنيف 2»، وهي ترى اليوم أنه «لا بديل عن الحل السياسي لأن أيا من الطرفين غير قادر على الحسم العسكري». وفي حين تجري المباحثات الصعبة في جنيف، تريد باريس، بموازاة ذلك، إعادة إدخال مجلس الأمن الدولي في الدورة السورية عبر موضوع المساعدات الإنسانية. ومنذ انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات من غير تحقيق نجاح يذكر، أخذ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يركز على «فشل» الأسرة الدولي في التعاطي مع الملف الإنساني سواء لجهة توفير المساعدات أو لجهة توفير الحماية والرعاية للمدنيين المحاصرين أو الراغبين في الخروج. فضلا عن ذلك، فإن فرنسا ترى أن الاتفاقات «الموضعية» بين المعارضة والنظام بوساطة منظمات الإغاثة الدولية «نقطة في بحر، ولا تستجيب لخطورة الوضع وهول الكارثة». فضلا عن ذلك، فإن انتظار حصول تقدم «أساسي» في جنيف سيحتاج لوقت طويل، في حال افتراض أنه سيحصل. لذا، فإن الحل الأمثل «يكمن في زيادة الضغوط»، عن طريق العودة إلى مجلس الأمن الدولي. وفي أي حال، فإن الجانب الفرنسي لا يبدو، حتى الآن، مقتنع بأن «جنيف 2» سيعطي النتائج المنتظرة منه. وتريد باريس، في السياق ذاته، اختبار الموقف الروسي من موضوع المساعدات، وهي تتساءل عما إذا كانت موسكو مستعدة لاستخدام حق النقض «الفيتو» لإجهاض قرار يتناول فقط الوضع الإنساني المأساوي وضرورة التصدي له ومساعدة المدنيين السوريين. وكانت روسيا «عطلت» الأسبوع الماضي قرارا في مجلس الأمن عن سوريا، إذ عدته «غير ملائم». وتتوقع باريس نقاشات طويلة قبل طرح المشروع على التصويت الذي لم يحدد له تاريخ حتى الآن. وقالت المصادر الفرنسية إن مشروع القرار «لن يوضع تحت الفصل السابع»، الذي له أحكامه الخاصة ومتطلباته غير المتوافرة اليوم. وأمس، أعلن الوزير فابيوس أن بلاده ودولا أخرى ستطرح مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي للمطالبة بفتح ممرات إنسانية للوصول إلى المدن السورية المحاصرة. ودعا صباحا في حديث إذاعي إلى تسهيل الوصول إليها من أجل نقل «أدوية ومواد غذائية» عادّا أنه «لأمر فاضح أن نكون نناقش هذا الأمر منذ فترة طويلة وأن يتواصل جوع الناس». ولم يحدد الوزير الفرنسي ما إذا كانت الدول التي ستقدم مشروع القرار ستطلب وضعه تحت الفصل السابع أم لا. وعلى كل حال، تطالب فرنسا بـ«تحرك أقوى» في الموضوع الإنساني، وفتح الطرق من أجل إيصال الأغذية والأدوية إلى المدن. ولم تشأ الخارجية الفرنسية في مؤتمرها الصحافي الإلكتروني أمس الكشف عن تفاصيل إضافية. لكنها رأت أن تدهور الوضع الإنساني «يبين الحاجة لتعبئة طارئة للأسرة الدولية»، منددة في الوقت ذاته بالاعتداءات التي تعرض لها عمليات الإغاثة والقائمون بها. وتواصلت، أمس، النقاشات بشأن مشروع القرار الذي سعت إليه بداية أستراليا والأردن ولوكسمبورغ، وهي دول ثلاث غير دائمة العضوية، وانضمت إليها فرنسا الدولة دائمة العضوية.
مشاركة :