أثار مقال كتبه رئيس مجمع اللغة الافتراضي، أستاذ اللغويات والدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة د. عبدالرزاق الصاعدي عن صحة التفاضل بين اللغات حفيظة أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود بالرياض د. حمزة المزيني، الذي غرد قائلاً «د. الصاعدي يقرع اللسانيين العرب -الذين لا يبدو أنه يعرف شيئاً كثيراً مما كتبوه- بأنهم يحققون مقولة ابن خلدون عن تبع المغلوب للغالب في تبعيتهم للغرب، ومع ذلك نجده هنا يستشهد بكتاب اللساني الفرنسي فندريس (البديع) المنشور في 1921 ولم يعد أحد يستشهد به في اللسانيات ثم يورد المصطلحات بالفرنسية!». وأضاف: «سأعود إلى مقولة ابن خلدون التي يستخدمها المؤدلجون ومنهم د.الصاعدي سلاحا تدميريا! ضد من يصنفونه خصماً، لأبين عدم فهمه لها كما يريدها ابن خلدون.. يكفي حكما على حدود معرفته باللسانيات قوله إن نحو العاميات وصرفها ركيكان! غاب عنه أن هذه العاميات تشترك في نحوها وصرفها مع الفصحى بأكثر من (80%). ولفت د.المزيني إلى أنّ هذه «العاميات» التي يحتقرها بشكل لا يمكن أن يصدر عن عارف بطبيعة اللغة البشرية أنظمة لغوية لا تقل اطرادا عن أي لغة بشرية أخرى، واعتماده على تصنيف اللغات بالشكل الذي أورده عن فندريس دليل آخر على تقصيره في حق نفسه عن معرفة أنه ليس هناك لغة خالصة لتصنيف معين، وليس ثَمّ لغة خالصة لتصنيف معين من هذه التصنيفات القديمة الفقه لغوية، ليقرأ عن ذلك الفصل الثالث في كتاب بنكر «الغريزة اللغوية»، مستدركاً: «ومع هذا فليس ثم لغة خالصة لصنف معين ومنها العربية التي تصنف بأنها اشتقاقية على مستوى لكنها إلصاقية في تكوين الكلمات بأشكالها الواقعة». د. المزيني: القول بأنّ اللسانيين العرب يعادون النحو العربي افتراء خلط شنيع واعتبر د.المزيني أنّ د.الصاعدي يخلط بين اللسانيات والنحو، قائلاً: لو قرأ د.الصاعدي ما كتبه د.عبدالسلام المسدي قبل أكثر من ثلاثين سنة عن التمييز بين النحو واللسانيات لعرف أنه يخلط خلطا شنيعا بينهما، مضيفاً: د.الصاعدي كتب قبل أكثر من (25) عاما مقالاً يشكو من أنه وصل حد الامتلاء من النحو ومل منه، فكتبت مقالا أدعوه إلى اللسانيات لكنه بقي على ما مل منه!. الأمانة العلمية د.المزيني لم يتوقف عند اعتبار د.الصاعدي يخلط بين العلوم، بل اتهمه بمخالفة الأمانة العلمية، قائلاً: يوصي د.الصاعدي من يريد إغناء حصيلته اللغوية والأدبية ببعض الكتب، المشكل في هذه النص أنّه لابن خلدون وهو أورده ولم يشر إلى مصدره وكأنه من عنده! أول شروط العلم الأمانة العلمية وما فعله د.الصاعدي يخالفها، ثم التواضع الذي يعني ألا يجعل الباحث نفسه وصيا على الآخرين يوجههم من غير أن يستشيروه. د. الصاعدي: خلافي ليس مع اللسانيات بل مع بعض المهتمين بها لدينا قراءة عميقة د.المزيني تعجب من نفي د.الصاعدي وجود لسانيين سعوديين حقيقيين، في حين أنّه قد سبق وأن وصف أحد المبتعثين بـالورع!، كما تعجب من استخدام د.الصاعدي مصطلح اللسانيات البنيوية التي اختفت من الوجود في أوائل الستينيات بفعل تشومسكي، معتبراً أنّ ذلك يدل وحده على أنه لا يعرف شيئا عن اللسانيات!، مشدداً على أنّ د.الصاعدي يحتاج إلى قراءة معمقة في تاريخ العلوم وفلسفتها، ليعرف أنّ العلوم كافة إذا لم تتغير ستموت، ولولا تغيرها الدائم لما تحققت الإنجازات العلمية، وعدم قراءته في فلسفة العلوم وتاريخها أدى به إلى عيبه التجدد الدائم للسانيات، وامتداحه لتقليد القديم والانبهار به، معتبراً أنّ تكرار ما قاله السابقون ليس إنجازاً. مرجعيات ثابتة وفي رده على د.المزيني قال د.الصاعدي: أنت ترد على نفسك في لحظة غفلة، مصطلحات اللسانيات سريعة الوفاة، وقلت لك سابقاً إن ابنك لن يستخدم نظريات تشومسكي؛ لأنها ستكون قد ماتت، تعيبني لرجوعي إلى كتاب اللغة لفندريس وعيبه عندك أنّ اللسانيات أهملته لأنّه طبع سنة ١٩٢٣م، وهذه رد آخر ترد به على نفسك في نفس السياق. وأضاف: باختصار للغويين مرجعيتهم اللغوية التي ينطلقون منها، يحتكمون إلى أصول ثابتة قدمت للعربية الكثير، لا نظريات يعلن موتها أصحابها قبل وفاتهم، متمنياً أن يقدم اللسانيون العرب شيئا مفيدًا ملموسًا للغة العربية، أي شيء، ينعكس على نحوها أو صرفها أو معجمها بدل الطنطنة الفارغة من المضمون، منوهاً بأنّ شرط اللساني العربي الناجح أن ينطلق من أصول لغته من مصادرها الأصيلة، ويجيد التعامل معها، لكن أين نجد هذا؟. وأشار إلى إنّ أوضح مثال على تفاضل اللغات وتفاوتها هو العامية العربية، فهي نظام لغوي مكتمل العناصر نحوًا وصرفًا ولكنها لا ترقى إلى درجات الفصحى، وإن التحليل اللغوي والبياني للفصحى والعامية يجعل الثانية بجوار الفصحى أشبه بمسخ أو قزم، ولا أعرف لغوياً واحداً يساوي بين الفصحى والعامية، مشدداً أنّه على هذا الجيل الذي انتهى إليه تراث الأمة وفتحت له نافذة على اللسانيات الغربية أن يضع بصمته في علوم العربية. قواعد عامة د.الصاعدي عاد بعدها لنشر مجموعة تغريدات قديمه له، كرد على د.المزيني، كانت تدعو إلى توظيفِ اللسانياتِ الحديثةِ في درسِ اللغةِ العربية، وتطويرِ تعليمِها، والنهوضِ بمناهجِها وطرقِ تدريسِها، وأخرى عن عدم التقليل من أهمية اللسانيات الحديثة!. ولم يلبث د.الصاعدي طويلاً حتى أعاد نشر تغريدات يحذر من التخصص في اللسانيات أو حتى الكتابة فيها، إلاّ بشروط وضعها، قائلاً: لا أنصح أحدًا بالتخصص في اللسانيات أو الكتابة فيها قبل إجادة علوم العربية نحوًا وتصريفًا ومعجمًا، حتى لا يكون معلّقا في الهواء ولا أرض تحته، ولا ترى اللسانيات البنيوية في تطور اللغات فسادا، وتعدّه قدر اللغة وسمة من سماتها، وهي في هذا تخالف النحو المعياري، اللسانيات الغربية الحديثة من حقبة دي سوسير de Saussure إلى طفرة تشومسكي Chomsky تفتح آفاقا جديدة للعربية، ولكنها لا تغنيها عن نحوها الموروث. واعتبر د.الصاعدي أنّ اللسانيات قوانين عامة تشترك فيها اللغات والنحو قواعد خاصة لكل لغة، أريد أن أخلص إلى أنّ اللسانيات الحديثة لا تغني العربية عن معياريتها القديمة، كما أنّ معياريتها لا تغنيها عن اللسانيات الحديثة، فبينهما تكامل، وادّعاء بعض اللسانيين أن اللسانيات الحديثة تغني العربية عن نحوها القديم وتصريفها أشبه بنكتة باردة، لأنهم يخلطون بين العامّ والخاصّ، لعلوم العربية جناحان: التراث الأصيل واللسانيات المعاصرة، وقلّ من يجمع بينهما، ورأيت أستاذي خليل عمايرة -رحمه الله- يجمع بينهما. في آخر تغريداته نوّه د.الصاعدي إلى: أرجو ألا يفهم من نقدي لبعض اللسانيين العرب أنني أنكر أهمية علم اللسانيات، خلافي ليس مع اللسانيات بل مع بعض المهتمين باللسانيات لدينا، ممن أراهم ينحازون إلى الأجنبي ويستعلون على تراث لغتهم بغرور وصلف ويرونه شيئا عفا عليه الزمن، وهؤلاء لن ينفعوا لغتهم العربية بشيء، للأسف.. وأقول (اللسانيون العرب)؛ لأنّه لا يوجد عندنا لساني سعودي حققي للأسف، ونأمل أن يسد هذه الثغرة جيلُ المبتعثين وعليهم نعول الكثير، ولن يفيد العربية لساني لا يجيد التراث اللغوي إجادة تامة. د. حمزة المزيني د. عبدالرزاق الصاعدي
مشاركة :