الطبقة الوسطى في عصر اقتصاد المعرفة

  • 2/11/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم تعد الفجوة بين الأغنياء والفقراء في عصر اقتصاد المعرفة تتعلق بالسياسة أو السياسيين بقدر ما تتعلق بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التي أصبحت هي الوسيلة التي تتيح كل أنواع النشاط الإنساني في الفضاء السيبراني. وثمة من يرى أنه في عصر اقتصاد المعرفة تتلاشى الطبقة الوسطى التقليدية بعد أن قلت الحاجة إليها وتقلصت قدرتها على تحقيق دخل مناسب، فانضمت إلى الطبقة الفقيرة، وذلك لأن الناس تركوا ما تنتجه تلك الطبقة من السلع والخدمات واتجهوا إلى الأرخص -وربما الأفضل- في الفضاء السيبراني. فقد أصبح الناس الآن يستطيعون قراءة الصحف الإلكترونية بدلا من الورقية، والقراءة لمشاهير الكتاب بدلا من الأقل شهرة من المحليين، والشراء من المتاجر العالمية بدلا من المحلية، وتنزيل الدروس الخصوصية المسجلة بدلا من المعلمين المحليين.. وهكذا. ثم يأتي دور الأتمتة التي تلازم التطور التقني، والتي قضت بدورها على وظائف شريحة أخرى من عمالة الطبقة الوسطى، حيث يمكن الآن حجز الطائرات والفنادق من خلال موقع اكسبيديا على الإنترنت بدلا من الاستعانة بوكالات السفر، واستعارة الكتب ذاتيا من المكتبات دون الاستعانة بأمين المكتبة، والحصول على خدمات الحكومة الإلكترونية بدلا من السعي المرهق بين دواوين الحكومة.. الخ. وبعبارة أخرى فإنه في عصر اقتصاد المعرفة ازداد الأغنياء ثراء ولكن في نفس الوقت ازداد عدد الفقراء. غير أن هذا التوجه المتعاظم نحو اقتصاد المعرفة قد فتح المجال أمام نوعية جديدة من المهن الملائمة لتشكيل طبقة جديدة تدعى «عمالة المعرفة»، وهم أصحاب المهن اللازمة لإدارة أنشطة اقتصاد المعرفة، أو أصحاب المهن التي لا يمكن أتمتتها أو وضع بدائل لها في الفضاء السيبراني، والتي تعتمد على الإبداع والتفكير والتحليل، مثل الأبحاث العلمية، وتدريب العمالة، وتطوير الإدارة، وتحليل البيانات وغير ذلك مما يمكن أن يضطلع به الباحثون والمهندسون وعلماء الحاسوب وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات والمبدعون من المحاسبين وغيرهم. وتكمن الفرصة لخلق هذا النوع من المهن في تغيير أسلوب تفكيرنا، فنحن لا نستطيع إيقاف ما لا يمكن وقفه من تداعيات عصر اقتصاد المعرفة، ولكننا نستطيع احتضان ما يظهر من تجليات هذا العصر، بحيث نزيد من فرصة الاستفادة منها، ونقلل من آثارها السلبية. وهكذا فإن الاستراتيجية الحصيفة يجب أن تعمل في مسارين متلازمين. الأول: تشجيع الاستثمار في القطاعات التي تعمل في أنشطة القيمة المضافة وفي الأنشطة غير المادية التي يتصف بها اقتصاد المعرفة. والثاني: أن يتم استخدام جزء من العائد من هذه القطاعات لصالح العمالة غير الماهرة أو قليلة المهارة، وذلك بغرض تقليل الفجوة بين دخلها ودخل العمالة المعرفية. إن العيش في عصر اقتصاد المعرفة يحتاج ألا نعتمد كثيرا على ما نعرف بقدر ما نعتمد على قدرتنا على استغلال هذا الذي نعرفه. أستاذ علم المعلومات - جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى

مشاركة :