إنها المربية الفاضلة خيرية المحروس من الشرقية، بمنطقة المنوفية بجمهورية مصر العربية أتت مع زوجها محمد الحجازي للتدريس في مدارس البحرين في مطلع الثمانينات، المدرس في الثانوية الصناعية والمدرسة في المدارس الابتدائية للبنات، خدما مدة تجاوزات العشر سنوات ثم عادا إلى بلادهما مصر بعد أن تلقى ابنيهما أحمد وعمرو تعليمهما في مدارس المحرق الابتدائية. جيل من المربين الذين وفدوا إلى البحرين للتدريس في مدارسها من مصر منذ العام 1919 م، حيث انفتحت البحرين في تعليمها المبكر على المناهج المصرية وأسهم المدرسون والمدرسات بتطوير التعليم النظامي في البحرين، وكانت البعثة التعليمية المصرية تلقى في البحرين كل التقدير والاحترام من لدن الحاكم ومن الحكومة والشعب، وكانت لمصر أيضا رسالة في ابتعاث أبنائها للتعليم في البحرين، البلد العربي الأصيل وهي رسالة وطنية وقومية، كما انفتحت البحرين على بعثات تعليمية فلسطينية وسورية ولبنانية وعراقية، فكان طلبة البحرين يقبلون من الجامعات الشقيقة في هذه البلدان أسوة بطلبتها الوطنيين، فاستفادت البحرين من أبنائها المتخرجين من الجامعات الشقيقة في التخصصات المتنوعة.. ظلت السيدة خيرية المحروس وزوجها محمد الحجازي على علاقة طيبة بأصدقائهما من البحرينيين ممن زاملاهما في التدريس وكانا على علاقة طيبة بالبحرين وأخبارها والتعلق بها وكانا يشعران بالفخر والاعتزاز بتلك السنوات التي قضياها في البحرين وتحديدًا في مدينة المحرق وكانا يفرحان بأي إنجاز يتحقق على أرض البحرين رغم انقطاعهما عن مهمتهما التي جاءا من أجلها إلى البحرين.. وبالفعل هذا ما لمسناه من الأخوة المصريين الذين جاءوا إلى البحرين وأسهموا في مجالات التربية والتعليم، والقضاء، والإعلام والصحافة والرياضة وكافة الأعمال في القطاع الخاص والقطاع العام، فالبحرين وأهلها ميزتهم أنهم يحفظون الود لمن يأتي لهم ويعمل بإخلاص فيبادلونه حبًا بحب... خيرية المحروس سبقها زوجها محمد الحجازي إلى رحمة الله تعالى بعد مرض عضال، وبعد انتهائها من عدة الوفاة بمدة قصيرة وكانت في بيتها وبين أهلها عاجلتها المنية، وجاء القضاء المحتوم لينهي حياتها العملية والتربوية والإنسانية لتلحق بالرفيق الأعلى، فلا راد للقضاء والقدر كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور سورة آل عمران الآية (185). كثيرة هي الجوانب الإنسانية في المرأة العربية من سهر على راحة البيت، إلى تربية الأبناء، وخلق الصلات الوثيقة مع الأهل والأقارب، والحرص على العلاقة الوثيقة مع الجيران، إلى تنمية العلاقات بين الأصدقاء والمعارف. والمرأة العربية يمكن وصفها بأنها تقوم بالواجب، وأحسب أن السيدة خيرية هي من أولئك النساء العربيات التي لم تترك مناسبة أسرية أو عائلية أو صداقة أو معرفة إلا وأسهمت فيها بجهد فكري أو عملي أو مادي. وكان هذا الحرص نابع من دور المرأة في مجتمعنا الشرقي. قد نلوم المرأة وقد نحملها فوق طاقتها، لكننا يجب أن نكون منصفين فحمل الحياة ثقيل، والمسؤوليات جسام وما لم يتعاون الرجل والمرأة في حمل أمانة السير بالأسرة إلى بر الأمان، فقد يزداد الحمل على النساء ولا تستطيع المرأة بمفردها أن تقوى على مجابهة تحديات الحياة في جوانبها المتعددة. مع قدوم عيد الأضحى المبارك أتذكر مواقف المرحومة خيرية المحروس في الاستعداد لعيد اللحمة، كما يحلو للأخوة المصريين تسميته، فهي الحريصة على أن يسهم أفراد عائلتها بتوفير الأضحية والإشراف عليها وتوزيع اللحم على المحتاجين عملاً بالسنة النبوية الشريفة، كما أنها منذ قبل وفاتها بيوم كانت توصي ابنها عمرو المستعد لاستقبال مولوده الثاني بأن لا ينسى دعوة الأهل والأصدقاء لما يسمى عند العائلة المصرية بالسبوع للمولود الجديد، فكانت رحمها الله تتهيأ للمناسبة قبل حلولها بوقت كافٍ كما أن المرحومة خيرية لا تنسى أن تتواصل مع أهلها وأصدقائها وبالتلفون وكانت الحريصة على أن يبادلها الآخرون نفس الاهتمام، وكانت تشعر بالوحدة والضيق عندما يغيب عنها الأصدقاء وتأخذهم مشاغل الحياة، وكانت عباراتها المتكررة نسيتوني ولا إيه وكأنها والحال كذلك تدعو الناس وخاصة الأصدقاء أن يكونوا إلى جانبها. نعم تشغلنا الحياة، ومتطلبات العيش كثيرة حتى التواصل الهاتفي بين الناس بات ضعيفًا ناهيك عن التواصل الحقيقي المباشر، قد يقول القائل: إننا نتواصل الآن بالواتس والمسجات، ولكن الجيل الماضي لا يروي ظمأه ولا يروي عروقه إلا التواصل الحقيقي، كانت جداتنا يرحمهم الله يتواصلن مع الأهل في الحد، والمحرق، والمنامة، وعراد، والبديع، والجسرة، وأم الحصم، ويبيتن ليلة أو ليلتين وكذا حال الجدات في جميع مدن وقرى البحرين وكان أيضا من عادة الجدات أن يأخذن معهن الأطفال الصغار الذين هم دون سن المدارس ليتعرف الأطفال على أهلهم وأطفال الأهل فتقوم بين الأطفال المعرفة وكانت الجدات يأملن أن يكون هذا التواصل مستمرًا بين الأهل والأصدقاء، فالمرأة العربية بفطرتها تعلمت الكثير من أمور الحياة، واليوم نحن نفتقد هذا الحنان الذي تضيفه الجدات في بيوتنا، كنا نعتمد في تربية أبنائنا على الجدات ونقل خبرتهن وتجربتهن لهم وبتنا للأسف الشديد نعتمد على المربيات الأجنبيات، فهل نعيد وضعنا التربوي والرعائي للجدات في زماننا؟! رحم الله السيدة المربية خيرية المحروس وأسكنها فسيح جناته، فقد كانت مربية وأما وامرأة عربية شرقية حريصة على بيتها وأهلها وأصدقائها. وعلى الخير والمحبة نلتقي
مشاركة :