يُقال إن لا شيء خلد قصص الحب العذري إلا انتهائها قبل أن تصل إلى بيت الزوجية! وأن روميو وجوليت صارا أيقونتين للعشق نظرًا لانتهاء القصة قبل يضع كلا منهما خاتم الزواج في إصبعه! وذهب بعضهم إلى تأكيد هذه الفرضية باستحضار روايات تاريخية تؤكد أن قصة الحب الأعنف في تراثنا العربي (عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة) قد انتهت بالطلاق! ثنائية الزواج والحب باتت في أذهان البعض أسطورة غير قابلة للتحقق، والأخطر من ذلك أنها صارت قناعة لدى كثر ممن لم يدخلوا عالم الزواج، مما يعني أن جهاز المناعة الخاص بالمشاعر صار هشًا، قابلًا لأمراض الحياة، ضعيفًا أمام التحديات. أكثر المتزوجين سيخبرونك أنهم وجدوا أنفسهم في بِركة الفتور فجأة! دخلوا حياتهم الزوجية بكثير من الأحلام، وكثير من الأماني والوعود، وأنهم كانوا صادقين أمام أنفسهم فيما قالوه، لكنهم وبلا مقدمات وجدوا أن شغفهم بشركائهم بات ضعيفًا، وأن شرايين الحب أضعفها كوليستيرول الضغوط والمشاكل اليومية، وأن غموض ما حدث يجعل الحلول كذلك غامضة. في مقالات سابقة تحدثنا عن خطورة سقف التوقعات المرتفع والمثالية المفرطة التي نصطدم بعدم وجودها في واقع حياتنا، وأثر هذا في حالة الإحباط التي تنتاب كثير منا بعد الزواج، غير أن هناك خطأ آخر نرتكبه في حياتنا اليومية يجعل من اجتماع الحب والزواج أمر صعب، وهو عدم انتباهنا إلى خطورة الأشياء الصغيرة في العلاقة. كان الصينيون قديمًا ـ ونُسبت إلى النازيين كذلك ـ يلجأون إلى طريقة فريدة في تعذيب الأسرى من أجل إخراج المعلومات منهم، بأن يضعوا الأسير تحت دلو من الماء المثقوب والذي تبدأ قطراته في التساقط قطرة قطرة على جبة الأسير الموثق بإحكام، في بداية الأمر يكون الأمر منعشًا، مع الوقت يبدأ عقل المسكين في الاضطراب، صار انتباه الذهن للحظة سقوط قطرة الماء كبيرًا، وقبل مرور يومين يقترب صاحبنا من الجنون، ويفرغ ما لديه من معلومات خلاصًا من العذاب الشديد! هذه القطرات الصغيرة التي أوصلت الرجل للجنون هي نفسها التي نغرق فيها في حياتنا الزوجية، يمكننا أن نرى هذا بوضوح في إجابات الأزواج عما يقلقهم في حياتهم الزوجية، معظمهم سيخبرك أن لا مشكلة كبيرة يمكن أن نرويها، كل ما هنالك أننا لم نعد كما كنا، ثمة شيء غامض أصاب العلاقة، والحقيقة أن هذا الشيء الغامض هو الأخطاء الصغيرة، كلمات باردة، إهمال غير متعمد، ردود أفعال سلبية، مع الوقت تبدأ مشكلة في التبلور (لا تهتم بي بالشكل الكافي) (لست موجودة في أولوياته)، والمدهش أن لا أحد منهم يرى بأن كلام شريكه صحيحًا، إنه في قرارة نفسه لم يتعمد شيئًا مما يُتهم به. يعيدنا هذا إلى القلق الذي انتاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد انتصار دعوته، وهو يؤكد أنه لا يخشى على أتباعه من عبادة الأصنام مرة أخرى، وإنما يخاف على أمته مما سماه محقرات الذنوب، تلك الذنوب الصغيرة البسيطة التي قد نتهاون معها لصغرها وتفاهتها، لكنها مع الوقت تصنع ما يشبه الران أو طبقة سميكة من اللامبالاة تجاه تعاليم السماء، هذا بالضبط ما يحدث معنا، إهمال مستمر لأشياء صغيرة في حياتنا الزوجية تصنع ما نعاني منه. وعليه فإن الحل لهذه المشكلة على تعقيدها بسيط جدًا، وهو الانتباه إلى الأشياء البسيطة التي توقفنا عن الإتيان بها، خصوصًا وأن لدينا معادلة مغلوطة تقول بأننا توقفنا عن السلوكيات الجيدة لأن الحب انزوى بعيدًا، والصحيح أن الحب انزوى يائسًا لأننا توقفنا عن السلوكيات الجيدة. الحب لا يأكل الفتات، ولا يعيش على ردود الأفعال، الحب كأي كائن حي يحتاج إلى رعاية وتعهد واهتمام ومراعاة دائمة، وإلا سيضعف ويموت، سيموت ببطء ونحن شهود، قليل جدًا أن نرى حبًا يموت بالسكتة القلبية! وأستطيع أن أجزم أن معادلة الحب بعد الزواج واقعية جدًا، وممكنة، وقابلة للتحقيق، شريطة أن نهتم بعد الزواج بما كنا نفعله قبلها، وبنفس الثقة يمكنني التأكيد على أن عنترة بن شداد قد طلق عبلة ـ إن كان قد حدث فعلًا ـ لأن الرجل الذي شهر سيفه أمام الجميع لينال حبيبته لم يكلف نفسه وسعًا بعد ذلك في الحفاظ عليها، أو أنها لم تهتم بسيفه الذي حارب من أجلها فلم تشحذه له، المهم أن هناك أخطاء صغيرة مستمرة تم ارتكابها، جعلت الفصل الأخير في القصة الملهمة تلك يُكتب في محكمة الأسرة! مقال لـ كريم الشاذلي
مشاركة :