في بلدٍ لا يسمح للمرأة إلا بالكشف عن وجهها، أصبحت جراحة تجميل الأنف أشبه برياضة وطنية! في المقابل، تُعتبر هذه الجراحة في نظر البعض مجرّد «فريضة» أخرى. مجلة «ايل» الفرنسية ألقت الضوء على الموضوع. في عيادة الطبيب محمد مهدي ترزي، جلس نحو أربعين شخصاً بانتظار موعدهم. كان ترزي اختصاصياً في الأنف والأذن والحنجرة، ثم انتقل إلى عالم التجميل وتخصّص بتجميل الأنف تحديداً. حضر الشاب بجمان مع شقيقته صدف (22 عاماً) إلى العيادة. قال متعاطفاً: «أرادت أن تزداد جمالاً وأتفهّمها!». ذكرت والدتها بروين: «كان أنفها مقبولاً لكنها أصرّت على الخضوع للجراحة. إنه قرار إيجابي ومناسب قبل الزواج». قد تهدف جراحة التجميل إلى تحسين فرص الزواج والعمل وتعزيز العلاقات بالآخرين، ويمكن اعتبارها علاجاً سحرياً لإيجاد مكانة داخل المجتمع الإيراني. أوضح الطبيب وهو يعرض صور ما قبل الجراحة وما بعدها: «تسمح جراحة التجميل بزيادة الثقة بالنفس وتعزيز السعادة والمرح وتحسين نوعية الحياة». أما الملالي فلا يشجعون النساء على تغيير شكلهنّ، لكنهم لا ينددون بهذه الخطوة. حين سُئل أحدهم: «إذا كنا مخلوقات الله، هل يمكن أن نغيّر الطبيعة التي أعطانا إياها؟. أجاب: «خلق الله الرجال والنساء ولكنه خلق أيضاً جرّاحي التجميل. لذا لا يمكن أن نمنع هذا النوع من الجراحات». وباء متفشًّ في إيران أصبح تجميل الأنف منذ 20 سنة أشبه بوباء متفشٍ. تُعتبر مدينة أصفهان أكثر تحفظاً من العاصمة، لكنها لا تخلو من هذه الظاهرة. في المدينة الكبرى التي تشمل نحو خمسة ملايين نسمة، ثمة 15 جرّاح تجميل رسمياً، لكن قرّر مئات الأطباء، المتخصصين أو العامين، الانتقال إلى مجال جراحة التجميل لأسباب مادية واضحة. تحلم النساء (والرجال أيضاً!) من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية بأنف جديد مقابل كلفة تتراوح بين 600 و3 آلاف يورو. وهي ظاهرة بدأت تتخذ طابعاً عادياً بما يتماشى مع التحول الأنثروبولوجي الحاصل في البلاد. لكن ما العيب في هذا الأنف «الفارسي»؟ يشرح الدكتور ترزي إنه أنف سميك ومنخفض قليلاً: «في أوروبا وآسيا، يكون الأنف صحيحاً بطبيعته!». أما الأنف الفارسي فيبدو كبيراً، حسب خبيرة تجميل خضعت للجراحة بنفسها في عمر الخامسة والعشرين: «بعد 20 عاماً على الجراحة، لا أقول إني أندم عليها ولكن ربما كان من الأفضل ألا أقوم بها. يتغيّر الوجه كثيراً مع مرور الوقت، لكني لم أفكر إلا بالناحية الجمالية حينها». دمى شمعية في بلدٍ فرض على المرأة إخفاء شكلها تحت «الشادور» غداة الثورة الإسلامية عام 1979، ركّز كثيرون على أثر الوجه الذي أصبح العنصر الظاهر الوحيد من الجسم. تحوّلت النساء إلى دمى شمعية ! إنه شكل من المقاومة اللاواعية وتريد المرأة بذلك أن تعارض النموذج الإسلامي الذي يدعوها إلى العفة والبساطة و«الاختفاء». من خلال تجميل الأنف ووضع الماكياج، تبذل قصارى جهدها كي تلفت الأنظار. يشتق هذا الميل أيضاً من مشاهدة الممثلات اللواتي خضعن لهذه الجراحة في الأفلام التجارية وفي المسلسلات التركية الرائجة جداً في إيران. يُذكر أنه رغم الحظر الذي عزل البلد لفترة طويلة، يستطيع معظم الإيرانيين مشاهدة القنوات الفضائية حيث يلاحظون المعايير الجمالية الجديدة على المستوى العالمي. كانت سامنة (29 عاماً) تتصفح هاتفها الذكي بانتظار صديقها في أحد مقاهي جلفا. تؤكد مهندسة الديكور على أنها لن تلمس وجهها مع أن المحيطين بها لا يكفّون عن الضغط عليها: «صحيح أن الحجاب فرض الضوابط على النساء لكنّ الاقتناع بأن الجراحة ستغيّر حياة الناس مجرّد وهم. لا أفهم هذه الرغبة في تغيير الوجه بهذا الشكل الدائم». كانت الطالبة كيميا (17 عاماً) تمسك بيد صديقها عرفان لكنها قفزت فجأةً حين ذكر جراحة التجميل، وقالت: «مطلقاً! هذه الجراحة جنونية لكن يجب أن نفهم أنّ المرأة في هذا البلد لا تتمتّع بحقوق كافية وتخضع لضغوط شديدة كي تتماشى مع النموذج المفروض عليها». يشعر البعض بأن الجمال أصبح المعيار السائد الوحيد مع أن المرأة تستطيع إثبات نفسها عبر الثقافة والفن والأدب... تسمع الفتاة منذ ولادتها كلاماً عن أهمية الجمال بدل الذكاء. هذا ما ينتظره المجتمع منها وستستمر هذه الظاهرة ما لم يتغيّر الوضع. حملة فيسبوكية يعتبر بعض النساء أن الحفاظ على أنف طبيعي يعني التمسك بالهوية الفارسية أو الهوية الفردية عموماً، باعتباره جزءاً من الشخصية والتوازن الفردي والمزايا الذاتية. ربما لم تسمع كثيرات بالحملة التي انطلقت على فيسبوك منذ بضعة أشهر لرفض تجميل الأنف لأن هذه الشبكة ليست الأكثر استعمالاً بين الشباب الإيراني. تحثّ حملة «الأنف الطبيعي» المرأة الإيرانية على عرض صور أنفها من دون أي تعديلات. استجابت عشرات النساء لهذه الدعوة. لكن في أصفهان تتّضح أولى مؤشرات المقاومة في الشارع. بعد رفع العقوبات الاقتصادية وتزامناً مع بدء انفتاح البلد وانتخاب 17 امرأة في البرلمان، تتابع النساء الاستفادة من الحريات المكتسبة رغم محدوديتها عبر السخرية من جراحات التجميل واللعب بأوشحتهنّ الملونة وتدخين السجائر أو النرجيلة تحت أنظار الجميع والإمساك بيد الحبيب أثناء التنزه... ترسم المرأة الإيرانية مستقبلها بهذه الطريقة وتمضي قدماً برأسٍ مرفوع وبالأنف الذي تفضّله!
مشاركة :