أثبت من خلال قصته أن قلة الإمكانيات ليست العائق أمام تحقيق الإنجازات، فعمل دون هواتف محمولة أو حاسبات آلية، ووسط غياب لوسائل مواصلات مؤهلة لتأدية الغرض منها، لكنه برهن على أن النجاح يولد من رحم العلم وحسن الإدارة. بهذه العوامل تمكن دونالد هندرسون، من التغلب على مرض الجدري في سبعينيات القرن الماضي، ليعترف العالم بفضله في تخليص البشرية من ذلك الداء، وهو ما أكدته ردود الأفعال عقب وفاته منذ أيام عن عمر ناهز الـ87 عامًا. ويرصد «المصري لايت» مسيرة «هندرسون» في مكافحة مرض الجدري، والذي توفي الجمعة الماضي إثر مضاعفات كسر في الورك. نشأته البداية كانت من مولده في سبتمبر 1928 في كنف والده المهندس يونيون كاربايد، إلا أن تأثره بوالدته، والتي كانت تعمل ممرضة، انعكس على مسيرته، حتى تخرج من جامعة «أوبرلين» في العام 1950، وبعدها حصل على شهادة الطب من جامعة «روشستر» في 1954. وفي أعقاب انتهائه من دراسة الطب عمل في العديد من المراكز الفيدرالية المعنية بالسيطرة على الأمراض المعدية والوقاية منها، وكان لكفاءته الأثر الأكبر في اختيار منظمة الصحة العالمية له، في العام 1966، كقائد لمكافحة مرض الجدري. القضاء على المرض في ستينيات القرن الماضي لم يسلم الملايين من مرض الجدري، والذي تسبب في وفاة الكثير بفعل الرشح الجلدي والقُرح المتواجدة في مختلف مناطق الجسم، وباستخدام حملات التطعيم الجمعية اندثر المرض في جميع بقاع الأرض ما عدا قارتي آسيا وأفريقيا. ومع اختيار «هندرسون» لمواجهة المرض لجأ إلى تغيير طريقة التعامل مع الوباء، فاكتشف أن مواجهة المرض بالتطعيم الجمعي ليس له نتائج فعالة في المناطق كثيفة السكان، آسيا وأفريقيا، ليقر استراتيجية جديدة تدور حول تطعيم الأشخاص الذين كانوا على اتصال مع الضحايا بدلًا من التطعيم الجمعي. وابتكر هندرسون طريقة جديدة لمواجهة المرض بجانب اللقاح، وتمثلت في «الإبرة ذات الشعبتين»، وكانت نتائجها أكثر فعالية لأنها توقف الرشح الجلدي من مصدره، كما أنها أداة تطعيم بسيطة وفعالة، وهو الحل الذي ظهر في بداية السبعينيات. وباستخدام هندرسون لتلك الإجراءات الفعالة نجح في القضاء على المرض، وظهرت النتائج بعد إعلان منظمة الصحة العالمية، في العام 1980، عن انتهاء المرض بشكل نهائي. عوائق واجهته كانت من أبرز المشكلات التي واجهت هندرسون ورفاقه إيجاد وسيلة نقل فعالة لبلوغ القرى النائية، ورغم التمكّن من استعمال وسائل نقل مناسبة لبلوغ الأماكن البعيدة إلا أن غالبيتها كانت تتعرض للتلف، فلم يجد أعضاء فريقه بُدًا من المشي على الأقدام للوصول إلى المرضى. والحالة السيئة التي كانت عليها وسائل المواصلات قابلتها فقر في وسائل التواصل المتواجدة في حينها، حتى قال مايكل كلاج، عميد كلية «جون هوبكينز» للصحة العامة في بالتيمور: «لقد فعل هندرسون ذلك في وقت لم تكن هناك آلات الفاكس، عندما لم تكن هناك أجهزة الكمبيوتر، عندما لم تكن هناك هواتف محمولة، لقد فعلوا ذلك مع القلم والورق وتقنيات إدارة فقط». ما بعد استئصال الجدري بعد نجاحه في استئصال المرض أطلق عليه المتابعون لقب «منقذ البشرية من الجدري»، وكان ذلك هو الدافع الأساسي في اختيار 3 رؤوساء للولايات المتحدة الأمريكية له كمستشار لهم في مجالات العلوم والإرهاب البيولوجي. وباشتداد هجمات الجمرة الخبيثة في أواخر عام 2001 أنشأ الرئيس السابق جورج بوش مركزًا للرد العام على حالات الطوارئ في مجال الصحة، ووقع اختياره على هندرسون لترأس المركز، وفي خضم تلك الوظيفة نسق الجهود التي تتعلق بإرهاب الأسلحة البيولوجية، كما أشرف على تطوير الأمصال واللقاحات وإنتاجها، قبل حصوله على وسام الحرية الرئاسي في العام 2002، وهو أعلى تكريم لمواطن مدني بأمريكا في حينها.
مشاركة :