جرحنا (النرجسي) وموقفنا الملتبس من الحضارة

  • 8/26/2016
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

يمكن اعتبار هذه المقالة التي نحاول فيها عمل مقاربة تفسيرية لموقف الريبة والعداء الذي يتبناه جزء كبير من شعوب المنطقة تجاه الحضارة الغربية، مكملة لمقالة الأسبوع الماضي التي حاولنا فيها بعجالة تفسير حالة الانكفاء على الذات والارتهان للماضي أو (الماضوية) كما سميناها، وسننهج كما انتهجنا في تلك المقالة مقاربة (سيكو-اجتماعية) غير مطروحة بالشكل الكافي في وسائل الإعلام، وسنبتعد قدر الإمكان عن الأنهج الشائعة التي ترتكز في تحليل أزمات المنطقة على مقولات المحللين السياسيين الجاهزة، ومحللي القنوات الفضائية المعلبة، أو تلك التي تنطلق من تنظير أقصى اليسار أو أقصى اليمين والتي تتركز تفسيراتها في الغالب حول ردة فعل حقبة الاستعمار غير القابلة للتجاوز حتى الآن في الضمير الجمعي العربي. مصطلح (الجرح النرجسي) مصطلح نفسي، المقصود منه أن الذات التي يتركز حولها كيان الإنسان وتقديره تتعرض للهتك المعنوي. بمعنى أنها تمس في ذاتها بالتقليل منها أو انكشاف مدى ضحالتها أمام نفسها والآخرين، وبالتالي سقوط تقدير الإنسان لذاته، وهو أمر يسبب آلاما معنوية شديدة، ويفجر قلقا لدى الإنسان؛ لأن الإنسان لا يستطيع العيش دون اعتبار لذاته وقيمتها حتى لو كان متوهما أو زائفاً، و عند انكشاف ذلك الزيف يفقد الاتزان النفسي الضروري لاستمرار الحياة فيبحث عما يعيد له ذلك التوازن بسبل عدة أخطرها تبني العنف، فالجرح النرجسي يولّد عدوانية صريحة وضمنية تجاه المتسبب في حدوثه. هكذا يقول علم النفس. يمكن استعارة الحالة المتعلقة بالفرد لتطبيقها على المجتمعات. فالمجتمعات كالإنسان لا يمكنها العيش بدون اعتبار للذات وتحققها، ففي مأزقنا الحضاري ووهدة التخلف، وحالة فقدان البوصلة الحضارية التي نغرق فيها، تجرح الحضارة الغربية الشاخصة أمامنا بفتوحاتها الحضارية بشكل مباشر يوميا نرجسيتنا كأمة كانت لها حضارة ذات يوم، وترى نفسها خير أمة أخرجت للناس. يتسبب ذلك الجرح بآلام معنوية شديدة لمجتمعنا الذي يحاول التعويض بسبل مختلفة. آلية الدفاع بالماضوية لا تمكن مجتمعنا من حل مأزقه الوجودي بالشكل الذي يرد له توازنه النفسي فهي أي، الماضوية، لا تتصدى للواقع بل تهرب بالمجتمع منه فيلجأ إلى تبخيس منجز الآخر الحضاري أو الإدعاء بالفضل عليه فيما هو فيه من إنجاز كرغبة في المشاركة الحضارية. هذه بعض محاولات إعادة التوازن والاعتبار للذات. لكن يبقى خيار ردة الفعل العدوانية ضد المتسبب وارداً كما يقول علم النفس، ويبقى العنف وسيلة متاحة تعتقد شريحة من المجتمع ضمنياً دون وعي أنها ستحل مشكلتها وتعيد بها الاعتبار إلى ذاتها المجروحة. سؤال برسم الإجابة؛ هل يمكن تفسير استهداف العمليات الجهادية الإرهابية للغرب، بدءاً بما حصل في برج التجارة العالمي وانتهاء بما حصل في احتفالات اليوم الوطني في فرنسا وغيرها، واستهداف رعاياه تحديداً أينما وجدوا في الشرق الأوسط على أيدي شريحة من مجتمعنا ضمن هذا الزعم؟ وهل مواقف الكره والعداء التي يتقاطع في تبنيها على حد سواء الطبقة الشعبية في الشارع وكثير من النخب يمكن فهمها من خلال هذه النظرية؟

مشاركة :