د. أحمد فؤاد باشا * قال الله تعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم. هذه آية الكرسي، ولها شأن عظيم ومكانة رفيعة بين آيات القرآن الكريم، وقد وردت في فضلها أحاديث كثيرة تخبرنا ببركات أسرارها التي لا تحصى، منها قوله صلى الله عليه وسلم: من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت وقوله عليه الصلاة والسلام: لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي، كما أنها من آيات الدعاء؛ لأن فيها اسم الله الأعظم، كما جاء في الحديث الشريف: اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة طه، وقال هشام: أما البقرة فقوله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم.. وفي آل عمران: آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم وفي طه: وعنت الوجوه للحي القيوم. ويكفي أن يتدبر المؤمنون حسن افتتاح هذه الآية الكريمة بأجل أسماء الله تعالى، فقوله عز من قائل: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، دل على كونه حياً دائماً وعالماً قادراً، كما دل على كونه قائماً بذاته ومقوماً لغيره، وفي هذين الأصلين ـ فيما يقول صاحب التفسير الكبير ـ تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد وتقرير دلائله. ومن أحاط عقله بهذا علم أنه ليس هناك كلام أكمل ولا برهان أوضح مما اشتملت عليه آية الكرسي من تعريف بعظمة الله وجلاله وكبريائه وعلمه المحيط، مع القطع بأنه منزه عن الجسمية، وأنه وحده قائم دائم وقيم على كل شيء يحفظه ويكلؤه. ومن أوجه الإعجاز في هذه الآية الكريمة أنها جمعت في عشر جمل مستقلة أصول صفات الألوهية، والتمجيد لله الواحد الأحد، ونطقت بأنه ـ سبحانه وتعالى ـ متفرد في ألوهيته، موجد لغيره، منزه عن كل نقص ومبرأ من الفتور والغفلة، ليس كمثله شيء، واجب الوجود بذاته، كان من الأزل ولا شيء معه، وهو الآن وفي كل آن على ما عليه كان، فهو فوق المكان وفوق الزمان، تعالى ـ ســـبحانه ـ عـــن أن يكــــون متحيزاً حتى يحتاج إلى مكـــــان، أو أن يكــــون متغيـــــراً حتــــى يحتــــــــاج إلى زمــــان. وآية الكرسي عندما تقرر وحدانية الحي القيوم على هذا النحو الجامع المانع، إنما تدعو إلى تحرير العقول والقلوب من الشرك بالله، وتحث على تخليصها من أوهام الزيغ والضلال، وتدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن كل شيء في هذا الوجود يسير وفق منهج إلهي محدد، طبقاً لمشيئة العليم الخبير الحي القيوم، فأينما دققنا النظر في جنبات هذا الكون الفسيح نجد دلائل الوحدة ومظاهرها واضحة جلية من خلال التشابه والتماثل اللذين هما من سمات الخلق الإلهي في الآفاق وفي الأنفس: ففي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ومن ثم فإن عقيدة التوحيد الإسلامي هي التي تضمن إنسانية الإنسان، وتطلق العنان لملكاته الإبداعية والإدراكية ليكون جديراً بحمل أمانة الاستخلاف في الأرض، ومؤهلاً للاهتداء إلى قدرة الخالق من خلال البحث والتأمل في الظواهر الكونية الواقعة تحت سمعه وبصره، فيقوى يقينه ويزداد إيمانه، ويبلغ من ذلك ما يطمئن إليه عقله وتهدأ به نفسه وتتحقق به سعادته في الدنيا ورحمته في الآخرة. والخلاصة أن آية الكرسي كنز من كنوز عرش الرحمن لا يعلم نهاية أسرارها إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ وكل إنسان مؤمن يداوم على قراءتها في جميع الأحوال والأوقات يعيش في بركاتها في الدنيا، ويكون من الفائزين بالنعيم المقيم في الآخرة إن شاء الله تعالى. نسأل الله العلي العظيم أن يشملنا ببركات قرآنه، وندعوه تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما يعلمنا إنه سميع قريب مجيب الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. afhasha@gmail.com * النائب السابق لرئيس جامعة القاهرة
مشاركة :