عملات الأسواق الناشئة الرابح الأكبر من النمو العالمي «المعتدل»

  • 8/26/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ينمو الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن بوتيرة معتدلة، إلا أن تلك الوتيرة لا تنعكس على جميع القوى الاقتصادية الدولية بالدرجة ذاتها، إذ تبدو سوق عملات الاقتصادات الصاعدة أحد أكبر الرابحين من هذا النمو المعتدل، بعد أن حققت أعلى معدلات سعر صرف لها في مواجهة الدولار الأمريكي. فمؤشر بنك جي. بي. مورجان لعملات الأسواق الناشئة قفز منذ بداية العام، وحتى الآن بنحو 5.8 في المائة، وقاد الريال البرازيلي والراند الجنوب إفريقي هذا التقدم، مستفيدين من الوتيرة الهادئة لنمو الاقتصاد الدولي، في ظل غياب تهديدات بارتفاع عنيف في أسعار الفائدة الأمريكية، إضافة إلى تصويت الناخب البريطاني لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما استتبع ذلك من قرارات اقتصادية من بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) تضمنت خفضا لسعر الفائدة، وتبني سياسة تيسير كمي، مما مثل داعما للاقتصادات الناشئة، في ظل التدني الشديد لعائد سندات الخزانة في الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور، ليشجع ذلك المستثمرين على التوجه إلى الاستثمارات ذات المخاطرة العالية والربحية المرتفعة للغاية. وأوضح لـ "الاقتصادية" ستيورت جينس من مجموعة الاستثمار المباشر الدولية، أنه مقارنة بالعام الماضي فإن عملات الاقتصادات الناشئة في وضع أفضل كثيرا، ففي 2015 كان أداء عملات الاقتصادات الناشئة ضعيفا للغاية، بسبب الدولار الذي بدا كأنه العملة الوحيدة التي تحظى بقبول الجميع، كما أن أسعار النفط تراجعت بشدة، وأحاطت الشكوك بنمو الاقتصاد الصيني بشكل جدي لأول مرة منذ عقود، ما دفع رجال الأعمال وكبار المستثمرين إلى تجنب الاستثمار في الأصول الخطيرة. وأشار جينس إلى أن الوضع الآن مختلف نسبيا، فأسعار الذهب في ارتفاع، وانعكس ذلك على اقتصاد جنوب إفريقيا ــ أحد أكبر المنتجين للذهب، ومن ثم ارتفعت قيمة الراند الجنوب إفريقي بنسبة 14.8 في المائة في مواجهة الدولار، والتغيرات السياسية في البرازيل، وآمال المستثمرين في نجاح الرئيس الجديد ميشيل تامر في كبح جماح العجز في الميزانية، أدى إلى ارتفاع الريال البرازيلي في مواجهة الدولار الأمريكي مرة منذ عام. ومع هذا، فإن بعض المختصين لا يزالون عند قناعتهم بأن التحسن الحالي في سعر صرف عملات الاقتصادات الناشئة، يعود في جزء كبير منه إلى السياسات المالية في الاقتصادات المتقدمة، فالتدفقات المالية إلى الأسواق الناشئة وصناديق الأسهم بلغت الآن أعلى مستوى لها فيما يزيد على عام. وتأتي عملية الهجرة من الأسواق الرأسمالية عالية التطور إلى الأسواق الناشئة من جراء سياسة الفائدة السلبية، التي أدت إلى أن عودة سندات خزانة بقيمة 13.4 تريليون دولار إلى اقتصادات رأسمالية عالية التطور، وأن تكون عوائدها سلبية نتيجة تطبيق سياسة الفائدة السلبية السائدة حاليا في عديد من البلدان الأوروبية واليابان، علما بأن ربع الاقتصاد العالمي يتبني حاليا سياسة الفائدة السلبية. لكن تحسن أوضاع عملات الاقتصادات الناشئة يدفع تلقائيا إلى التساؤل حول وضع عملات الخمسة الكبار الدولار واليورو والين والاسترليني واليوان الصيني، البروفيسور بيل لاتي أستاذ النقود والمصارف في جامعة أكسفورد والأستاذ الزائر في جامعة ييل الأمريكية يجيب على السؤال بسؤال، ويقول إن السؤال المطروح هو: هل نشهد الآن هدنة لحرب عملات بين الخمسة الكبار؟ وحول هذا السؤال يؤكد بيل لاتي في تصريح لـ«الاقتصادية» أنه في بداية العام الحالي كانت التوقعات تتمحور حول اتجاهين في سوق العملات، الأول يؤكد أن الدولار سيواصل الارتفاع، نظرا للتوقعات بأن يشهد العام الحالي ثلاث أو أربع زيادات في أسعار الفائدة الأمريكية من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والمحور الثاني أن القوى الضاغطة أو السلبية في الاقتصاد الصيني ستدفع البنك المركزي الصيني إلى خفض سعر صرف اليوان في مواجهة الدولار، ولكن لا "الفيدرالي الأمريكي" رفع الفائدة بالمرات المتوقعة، ولا "المركزي الصيني" خفض اليوان في مواجهة الدولار. ويضيف بيل لاتي أن هذا يكشف عن الطابع التكهني المربك في سوق العملات، الذي ازداد الوضع تعقيدا نتيجة سلوك كل من البنك المركزي الأوروبي ونظيره الياباني من خلال تبني سياسة تيسير كمي عبر خفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر، وعلى عكس المرجو من تلك السياسة ألا وهو خفض كل من سعر صرف الين واليورو على أمل أن يسهم ذلك في زيادة الصادرات، والمؤكد أن الين واليورو آخذان في الارتفاع. ويستدرك بيل لاتي قائلا إن المصارف بالطبع عندما تتبنى سياسة مالية أكثر مرونة، فإنها لا تعلن أبدا أنها تريد خفض سعر صرف عملتها في مواجهة العملات الأخرى لزيادة الصادرات، لأن هذا إعلان صريح بشن حرب عملات، وهذا ما يقود إلى تساؤل واقعي: هل هناك حرب عملات غير معلنة بين الاقتصادات الكبرى، أم أن تلك الاقتصادات لن تحدث تغيرا في سياستها المالية في الفترة المقبلة؟ فهذا يدل على اتفاق ضمني بإعلان الهدنة. وعلى أية حال، فإنه لا يخفى على بعض الاقتصاديين الدوليين من مدرسة شيكاغو للتحليل المالي موقفهم الداعي إلى حرب عملات "محدودة" إذا كان ذلك سيؤدي إلى انعاش الاقتصاد الدولي، لكن تلك الدعوة تجد معارضة من الغالبية العظمى من الاقتصاديين وخاصة من المختصين في الاقتصادات الناشئة، إذ يعد الباحث الاقتصادي جون ديفيز أنه يستحيل أن تندلع حرب عملات "محدودة"، فتلك الحرب لن تكون في العالم الافتراضي، ولكن سيكون لها تأثير مباشر في معدلات الاستيراد والتصدير ومجمل التجارة الدولية، وسيكون من شبه المستحيل وضع إطار زمني لها أو سقف لا يجب تجاوزه، لأن هذا المنطق لا يأخذ في الحسبان عامل الاقتصادات الناشئة، التي ستتضرر بشدة من تلك الحرب، وستكون من أول الخاسرين، ولذلك لن تقبل بها ولن توافق على المشاركة فيها. ويعد آخرون أن اندلاع حرب عملات عالمية سيكون له مزيج من التأثير السلبي والإيجابي على الاقتصادات الخليجية التي ترتبط بالدولار كما هو الحال بالنسبة للريال السعودي، وبدرجة أقل على العملات التي ترتبط بسلة عملات دولية مثل الدينار الكويتي. وأوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور توني إيفانز من مدرسة لندن للأعمال، أنه على الرغم من تحسن وضع عملات الاقتصادات الناشئة، إلا أنه من المتوقع أن تشاهد خلال المرحلة المقبلة تذبذبات تؤثر فيها بشكل ملموس مقارنة بعملات الاقتصادات الكبرى، فالاقتصادات الناشئة لا تزال اقتصادات صغيرة مقارنة بالاقتصاد الأمريكي والصين والياباني مثلا، وأقل قدرة في توجيه أسعار الصرف الدولية. وأضاف إيفانز أن بعض تلك الاقتصادات مثل الهند مثلا ترتبط بعلاقات تجارية ملموسة مع بعض الدول الخليجية، وإذا انخفضت عملات تلك البلدان، فإن ذلك سيؤثر حتما في موازين التبادل التجاري بين تلك الدول وبلدان الخليج، لمصلحة تلك البلدان، نظرا لأن انخفاض أسعار السلع المستوردة منها سيزيد من قيمة الصادرات في وقت تواجه أسعار النفط انخفاضا ملحوظا، لكن إذا أسفرت حرب العملات عن تفوق الدولار، فإن ذلك سيعود بفائدة ملحوظة على البلدان الخليجية التي تربط عملتها بالدولار.

مشاركة :