عمران الصورة.. عمران القصيدة

  • 8/26/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

منذ عشر سنوات ابتدأت كتابة مدونات للأحداث السياسية الكبرى في نوع من القصائد التسجيلية للأحداث. وحاولت قدر الإمكان الابتعاد عن تسجيل موقف سياسي ما أمكن، بتصوير الحوادث الإنسانية التي تجري في دائرة الصراع السياسي. ومع توفر المعلومة من خلال القنوات الإخبارية ولاحقا شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح من الممكن رصد الأثر الإنساني أو الاجتماعي للأحداث السياسية. من هذه القصائد ما كتبته منذ سبع سنوات عن الاعتداء الإسرائيلي على غزة. كان من بين الأحداث السياسية التي رصدتها في القصيدة لقاء دافوس الشهير الذي جمع رئيس وزراء تركيا رجب الدين أوردغان وبيريس. في لقاء دافوس واجه أوردغان بيريس بجرائم إسرائيل في غزة واعترض على إدارة الندوة التي لم تعطه الوقت الكامل للحديث. فسجلت هذا المشهد السياسي الذي وقع على هامش الاعتداء الإسرائيلي في مدونة غزة. كان علي أن أسجل هذا المشهد مبتعدا عن الصراع السياسي الذي ينبض حيا على الشاشة وقتها، وأن أبحث عن ما ينقص هذا المشهد ليكتمل. فقمت بما يمكن أن يعتبر (فوتوشوب) شعري. حيث أعدت ترتيب المشهد على أن يكون أطفال غزة أمام المتحاورين. ورغبة في أن يكون المشهد مقبولا عند القارئ بعيدا عن دموية الواقع، آثرت أن يعبر طفل واحد عن الدمار مع وجود مفارقة مؤلمة، وهي عدم اكتراثه بما يحدث له. مضى على القصيدة سبعة أعوام، حتى عادت صورة الطفل الذي رسمته في القصيدة للظهور واقعا من خلال الطفل عمران من حلب. فكلاهما معفر بالرماد وغير مكترث (ذهولا في حالة عمران) مما يحدث له. إن المؤلم أن يبلغ الواقع في مأساته مستوى المبالغة الشعرية. بل إن الواقع ذهب أبعد من المبالغة بكثير لما لا أعرف له اسما. هذه المبالغة التي كانت سلاح الشعر أمام التاريخ هي اليوم في يد واقع غرائبي يصعب على الخيال مجاراته. ماذا يعني ذلك للشعر، لا أدري. أطفالُ غزةَ جالسون بقربه كالصوص تحت جناحه: ذات الجديلة وجهها قمرٌ على عسلٍ تلاعب ربطة العنق النحيلة وهو ينظر في وريقته وينتظر الكلامْ وأمامه ولد يكعبه الرمادُ كثور (جورنيكا) لبيكاسو. يلون جالسا، يمشي بريشته على الكشكولِ، يرسم بيته كفراشةٍ وسط الرُّكامْ ذات النطاق شِماله، ويمين قاتلها القوي تراه لكن لا ترى أنيابه وتظنه يرنو لعينيها فتبتسم الصغيرة نحوه ويظل ينظر باردا/ميْتا كنحتٍ من رخامْ

مشاركة :