"الجبل" في خيال أبنائه

  • 2/12/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تأتي الجبال، في مرتبة متقدمة في قائمة العناصر البيئية التي يستمد منها الشعراء الجبليون صورهم، فهم يجعلون من الجبل معادلا لكل شموخ، ورمزا لكل ثبات وهيبة، ويشبهون به كل كبير شامخ ثابت راس في أعينهم، فضلا عن حضور الجبل ـ عرضا ـ في الصورة الشعرية بوصفه أقرب العناصر إلى الحس، وأكثرها ورودا إلى الذهن، وأصدقها في التعبير عن هوية المكان، وعن ارتباط الشعر به. وشعراء عسير أبناء جبال، وليس أدل على ارتباطهم بجبالهم من أن عنوان الديوان المشترك الأول الصادر سنة 1404، لستة منهم هو: "قصائد من الجبل"، مما يشي بأنهم أرادوا بهذا العنوان أن يقولوا: هذه قصائد تستمد من الجبال لغتها وصورتها وهويتها التي تميزها عن غيرها من القصائد الصادرة عن شعراء بيئات أخرى. ومن النزعات الواضحة في تصوير الجبال عند شعراء عسير، ميلهم نحو التشخيص، وليس تشخيص الجبال طارئا أو جديدا في الشعر العربي، لكنه ذو دلالات مهمة ترتبط بعلاقة الشعراء بهذا العنصر الطبيعي، الذي يحاورونه، ويقولون على لسانه، ويهبونه من صفات الإنسان النفسية ما يشير إلى عمق العلاقة. من أوائل الشعراء الذين شخصوا الجبال، الشاعر عبدالله علي حميد، في وصفه لجبل تهلل، حين أدار حوارا بين: مدينة أبها، وجبل تهلل، حيث يقول على لسان الجبل: يرنو إليْها تَهْلَلٌ.. طَودٌ سما فوقَ الجِبَالْ ثم يواصل الحوار، جاعلا الجبل يفخر بتاريخه، وبما آل إليه حاله، وكأنه والد يحنو على ابنته المدينة. ولا يبتعد عنه في الإطار العام، الشاعر علي آل عمر، حين يشخص الجبل، فيشبهه بشيخ وقور، ويجعل من الغمامة عمامة له، ويصوره وهو يميط لثامه محتفظا بصفة الشمم، ثم إنه لا ينام، برغم نوم الزمان واستيقاظه على راحتيه، لأنه ذو الهيبة الباقي برغم تعاقب العصور: جَبَلٌ تَعَمّمَ بالغَمامة، وأماطَ في شَمَمٍ لِثَامَهْ.. نامَ الزّمان على مقاطِعِ راحتيْهِ وما أنَامَهْ.. فَصَحا الزّمان على مَهَابَةِ ناظِريْهِ ومدَّ هَامَهْ.. فهذا الجبل يتعمم بالغمامة، ويميط اللثام شامخا، وهو ذو راحتين ينام عليهما الزمان. وعند الشاعر محمد زايد الألمعي ، يصبح الجبل مسرح الأحداث، ومركز الصورة اللغوية الكلية، وهو ما كان في قصيدة عنوانها: "حين كنت صبيا"، حيث صدق أسطورته الطفولية الخاصة، وتوهم أنه قادر على لمس السماء بعصاه إذا ما صعد إلى أعلى الجبل. يقول: حينَ كُنْتُ صَبِيّاً.. تَوهّمتُ أن السّماءَ سَألْمَسُها.. بِعصايَ إذَا ما عَلَوتُ الجَبَلْ.. فالشاعر ابن الجبل، ولذا كان الجبل مسرح الحدث، والعنصر الرئيس في تشكيل الصورة اللغوية. إن الشواهد الشعرية على استمداد شعراء عسير الصورة من جبالهم كثيرة، حتى إن القارئ لا يكاد يغادر قصيدة إلا وجد فيها صورة تستحضر الجبال، أو توظفها. كم نحن بحاجة إلى الدراسات النقدية التي تفتّش عن أثر المكان في اللغة والصورة، بعيدا عن وهم "عولمة القصيدة".

مشاركة :