"جنادرية 29" وتيارات الإسلام السياسي

  • 2/12/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تفتتح هذا اليوم، الأربعاء في العاصمة الرياض، وبرعاية خادم الحرمين الشريفين، الدورة التاسعة والعشرين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية، الذي اعتادت وزارة الحرس الوطني القيام به. ويشمل المهرجان نشاطات تراثية وثقافية. والمتوقع مشاركة أكثر من أربعمائة مفكر وإعلامي، من كافة أنحاء العالم في أنشطة هذه الدورة. المهرجان عبر مسيرته التي قاربت ثلاثة العقود، حقق إنجازات تاريخية كبيرة، على طريق إبراز هويتنا الوطنية للعالم، عن طريق التراكم والتفاعل المستمر بين الضيوف، بمختلف أجناسهم ومواقعهم، والذين بلغوا الألوف وبين مضيفيهم من أبناء هذا الوطن. فليس من وسيلة أفعل للتعريف على الهوية الوطنية، لأي بلد من التعايش والتماس المباشر مع ثقافة وعادات أهله. مهرجان الجنادرية هو أيضا مناسبة أصيلة لإبراز معالم التراث في المملكة، من خلال الأنشطة المكثفة التي تهتم بشكل أفقي بفلكلور مختلف مناطق البلاد. وهو أيضا إسهام يعزز التفاعل حول مختلف الفنون والمهارات بين أبناء الوطن الواحد. وهو أيضا منتدى فكري، يتبادل فيه المفكرون والمثقفون آراءهم حول القضايا والعناوين الأساسية التي يتضمنها جدول الندوة، التي غالبا ما تضع في الحسبان عند صياغة البرنامج الثقافي قضايا اللحظة الراهنة. وعلاوة على ذلك فإن المهرجان هو جسر للتواصل الثقافي بين المفكرين والمثقفين العرب، الذين تتيح هذه المناسبة الالتقاء مع بعضهم طيلة أيام المهرجان، في القاعات والأروقة، وأماكن السكن، بما يسهم في تحقيق التفاعل الثقافي، ويقرب المواقف في الرؤى والأفكار، على طريق تحقيق الوحدة الثقافية العربية. المشهد العربي الراهن الذي يطغى على كل المشاهد في هذه اللحظة الراهنة بمعظم البلدان العربية هو الموقف من الإسلام السياسي، بعد أن تمكن من تسلم السلطة في عدد من البلدان العربية، مستثمرا التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة إثر ما عرف بالربيع العربي. لقد تسلم الإخوان السلطة في تونس ومصر، ولهم حضور قوى في السلطة بعدد آخر من البلدان العربية. تنطلق معظم تيارات الإسلام السياسي من اعتبار السلطنة العثمانية التي أحكمت قبضتها على معظم أقطار الوطن العربي استمرارا للخلاقة الإسلامية، وأن نظام الخلافة سقط بسقوط السلطان عبدالحميد الثاني، والإسلام السياسي يطمح إلى استعادة الفردوس المفقود. من أبرز حركات الإسلام السياسي، جماعة "الإخوان المسلمون"، وهي حركة أسسها الشيخ حسن البنا، في مدنية الإسماعيلية، بمصر عام 1928، قريبا من قناة السويس. والهدف المعلن من تأسيسها دعوي بحت، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة سياسية متطرفة. ويرجع كثير من المراقبين التحول في برنامج "الإخوان المسلمون"، إلى تأثرهم بفكر الشيخ أبو الأعلى المودودي، زعيم الجماعة الإسلامية في الهند. والقاعدة الفكرية للشيخ المودوي متأثرة إلى حد كبير بأوضاع بلاده. فالمسلمون في الهند يعيشون في محيط من البشر من غير المسلمين. وقد رأى الشيخ أن المسلمين يعانون من أوضاع شاذة، كونهم يعيشون في دار الشرك، وأن خلاصهم يقتضي هجرتهم من تلك الدار إلى دار الإيمان. وتلك كانت القاعدة الفكرية التي صنعت هوية باكستان التي تأسست بعد انفصال بعض المناطق المكتظة بالمسلمين عن الهند. وأخطر ما مرت به الجماعة، هو إسقاطات ما حدث في الهند على أوضاع مصر، حيث انطلق سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق"، من ذات الرؤية، معتبرا المجتمع المصري دار شرك، تقتضي المسؤولية الدينية هجرته، والعمل بالقوة المسلحة على إعادته لدار الإسلام. في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، تأسست جماعة إرهابية بزعامة شخص يدعى صالح سرية، أطلقت على نفسها تنظيم التكفير والهجرة. وقد بادرت بتنفيذ عمليات تخريبية في مصر استهدفت المؤسسات الحكومية والتجارية، وحافلات النقل والقطارات والأماكن العامة والمعالم السياحية، وأوقعت المئات من الضحايا. وقد تمكنت أجهزة الأمن المصرية من ملاحقتها والقضاء على أنشطتها. عرف العالم بأسره بالدور التخريبي الذي تلعبه بعض تفرعات هذه الجماعات، إثر العمليات التخريبية التي قام بها تنظيم القاعدة في عدد كبير من بلدان العالم، في نيروبي واليمن وإندونيسيا وعدد آخر من بلدان العالم، وأكثرها بروزا وتأثيرا تدمير برجي مركز التجارة الدولي في نيويورك، ومبنى البنتاجون في واشنطن. النشاط الثقافي للمهرجان، في هذا العام، سيكرس جزءا كبيرا منه، لتحليل ومتابعة ظاهرة الإسلام السياسي بالمناقشة والتحليل. وسوف تشهد قاعات المهرجان الثقافي مناقشات فكرية مكثفة ومعمقة حول هذا الموضوع. والهدف من هذه الندوات هو مناقشة الدور السياسي لهذه الحركات التي تسلمت السلطة، على أساس وطني، بدءا من جماعة "الإخوان المسلمون"، وقراءة مأزقها، في علاقتها بالدولة الوطنية الحديثة، وتناقضها مع طبيعة فكر جماعات الإسلام السياسي التي تتحرك بآفاق أممية وغير وطنية. وسوف تناقش أيضا، إشكالية تعدد الخطابات في تيارات الإسلام السياسي، حسب قراءاتها وانتماءاتها واجتهاداتها. وكيف لهذه الجماعات أن تحقق أهدافها في ظل احترابها وصراعاتها الدموية. كما تطرح الندوة تساؤلات تتركز في معظمها على علاقة الإسلام السياسي بالدولة الوطنية، وتناقش فرص نجاحه وإخفاقه مع تعدد تيارات الإسلام السياسي، وتصادمه مع النظام السياسي العالمي وعلاقة هذه التيارات بقيم الحضارة المعاصرة. محاور عديدة سوف تهتم بها الندوة في هذا السياق، تتناول الإسلام السياسي وتجربة السلطة والحكم. والرؤية الغربية للإسلام السياسي في الوطن العربي. التحولات السياسية في الوطن العربي، وحركات الإسلام السياسي ومفهوم المواطنة. بوركت جهود راعي هذا المهرجان، وبوركت جهود القائمين عليه.

مشاركة :