الثقب الأسود في الموازنة العراقية

  • 8/28/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

عصام الجردي وضعت الحكومة العراقية 35 دولاراً أمريكياً معدلاً وسطاً لسعر النفط في مشروع موازنة 2016 التي بلغت مقومة بالدولار الأمريكي 90 ملياراً. ولحظ المشروع أكثر من 20 ملياراً عجزاً مقدراً (نفقات إلى الواردات) ونحو 7.5 في المئة عجزاً إلى الناتج المحلي الإجمالي، ويفترض بحسب رئيس الوزراء حيدر العبادي أن تحيل الحكومة مشروع القانون إلى مجلس النواب في العاشر من سبتمبر/أيلول المقبل. لا تُقارب موازنة في بلد يمر بظروف استثنائية كالعراق بحسابات المن إلى، ولا تُقيد بشروط إعداد الموازنات العامة وأهداف مسبقة، كمثل شمولية الموازنة وربطها بأولويات مشاريع في البنية التحتية، وتخصيص موارد لهذا القطاع أو ذاك تبعاً لأولويات خطة تنمية تعبأ لها الموارد الوطنية، وتنفذ بعقول باردة وبقلوب عطوفة، لا صوت يعلو الآن فوق صوت معركة الموصل المرتقبة. استعادة الموصل من داعش أمر بالغ الأهمية. هي المحافظة الثانية الأكبر في العراق، وفيها من الموارد لو تيسّر إدخالها في صلب الموازنة لاختلفت أرقامها، لكن تقتضي الحقيقة أيضاً القول إن الصراع في العراق أخفى الكثير من المآسي التي لا يستحقها الشعب العراقي وليست في سجله تاريخياً. كل شيء في العراق مدمّر الآن أو شبه مدمّر، لا بنى تحتية إطلاقاً. كل قطاع الصحة والاستشفاء مضروب، لا مصارف صحية عاملة. القطاع التعليمي الذي عرف بجودته تراجع بحسب تقارير وكالات الأمم المتحدة نحو 65 في المئة عما كان عليه قبل الغزو الأمريكي في 2003. المؤشرات الاجتماعية والإنسانية في القعر. موازنة 2015 أيضاً كانت على وقع هدير المدافع في الرمادي والفلوجة والخالدية وغيرها، أفضت إلى عجز تقول الحكومة إنه 20 مليار دولار أمريكي أيضاً. تقتضي الحقيقة أيضاً القول، إن ظروف العراق الاستثنائية، ما كانت لتنتج كل ما نشهد اليوم لو توفرت الإدارة السياسية الكافية والنزيهة. حكومة تخطط وتنفذ، ومجلس نواب يراقب ويحاسب وقضاء يعمِل سلطة القانون والعدل. هذا مفقود في العراق. لا نعرف مثلاً لماذا تراجع الاقتصاد غير النفطي نحو 19 في المئة في 2015. وقربه تقديرات تراجعه في 2016. نحو 93 في المئة من موارد العراق من العملات هي من عوائد النفط. وقد ارتفعت 13 في المئة في الشهور الخمسة الأولى من 2016. الحكومة العراقية تقدرها حتى يوليو/تموز الماضي بنحو 22 مليار دولار أمريكي، وقد بدأ العراق بتصدير الغاز أيضاً في يوليو/تموز الماضي. القطاع الخاص العراقي ليس في الصورة كلياً. ما تدره صادرات النفط يؤمن فاتورة استيراد نحو 80 في المئة من الاستهلاك. وجزء ينفق على الأمن والعسكر والباقي في غياهب فساد قلّ نظيره. قرأت مقابلة لرئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى العراق كريستيان جوز أبدى فيها سخاءً منقطع النظير للعراق. ولم يشر لا إلى موضوع الفساد، ولا إلى خطة الإصلاح التي تعهد عبادي تنفيذها قبل نحو سنة في أغسطس/آب 2015. وقد حصل العراق على أكثر من قرض من خلال برنامج المساعدات الطارئ. راح جوز يتحدث عن أولوية إصلاح المصارف المملوكة من الحكومة. أي المصارف التي تأسس معظمها قبل سنوات وإليها كانت تحول السرقات من عوائد النفط وعمولات الشركات النفطية إلى المسؤولين الكبار، وبحسب معلوماتنا نقل معظمها لا حقاً إلى أماكن أخرى في الخارج قبل مغادرة رئيس الحكومة السابقة نور المالكي منصبه صيف 2014. فشل العبادي في تحقيق الإصلاح المالي والإداري ووقف مسلسل سرقة المال العام. كبّل يديه المالكي المتهم الرئيسي بالفساد. لم يتمكن من مقاربة ملف النفط، وبقي من يسميهم العراقيون الموظفين الفضائيين الذين لا سجلات لهم في القطاع العام وأجهزة الأمن، وعددهم نحو 50 ألفاً تحول إليهم معاشات وتصرف لجهات أخرى. كل التحقيقات التي قامت بها لجان نيابية من البرلمان العراقي نفسه قدرت السرقات والإهدار من خزانة الدولة في سنوات عشر 2004 - 2014 بنحو تريليون دولار أمريكي. التحقيق الاستقصائي المشترك لهافينغتن بوست وفيرفاكس ميديا كشف عن آلاف الوثائق وضياع أكثر من نصف تريليون دولار أمريكي من أموال الدولة العراقية خلال فترة حكم المالكي. وقدّر التحقيق قيمة هذه الأموال أكثر من نصف الريع النفطي بين 2003 و 2015 من نحو 800 مليار دولار أمريكي. رئيس هيئة النزاهة السابق طلال الزوبعي يقول، إن الهيئة حققت في 16 ألف قضية فساد، وطلبت بلا جدوى إلقاء القبض على ثمانية عشر وزيراً وعلى ثمانية وسبعين مديراً عاماً متورطين بالفساد.

مشاركة :