القاهرة: الخليج إذا كان عبد الوهاب هو إمبراطور الأغنية العربية، وأعظم مطربي القرن العشرين، وعبد الحليم حافظ هو نبض الحب وصوت الثورة، فإن فريد الأطرش هو ربيع الأغنية العربية الدائم، ونبض الشجن والحنين، وصوت الحزن والفرح في آن، أما أسمهان فاستطاعت أن تجلس على عرش الغناء بعد أم كلثوم. هذا ما تؤكد عليه د. رتيبة الحفني في كتابها فريد الأطرش وأسمهان قائلة: أخذت على نفسي عهداً أن أتناول السيرة الذاتية لأهم أعلام الموسيقى والغناء، وبدأت مشوار الكتابة مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ثم من بعده الصوت المعجزة أم كلثوم، وجذبتني سيرة سلطانة الطرب منيرة المهدية، بعد متابعتي لمسلسل أم كلثوم، وإحساسي بالظلم الذي لحقها، لمجرد وقوفها أمام أم كلثوم، التي اجتذبت غالبية جمهور الغناء، فثارت منيرة عليها، وعلى جمهور الغناء المصري، الذي لم يحفظ لها عهد الحب القديم، وهي التي كانت تجلس على عرش الغناء في ذاك الوقت، فخصصت لها كتاباً حاولت فيه رد اعتبارها أمام الجيل الجديد. لم يكن فريد الأطرش من الفنانين المقربين إلى قلب وسمع رتيبة الحفني في بداية حياتها الفنية، وتعترف بأنها لم تدخل عالمه الموسيقي إلا بصوت الفنانة الكبيرة أسمهان، التي كانت تعشق صوتها، والتي كانت كثيراً ما تردد أغانيها، وكان من بين هذه الأغاني بالطبع ما هو من ألحان فريد الأطرش، ومع الدورة السابعة عشرة من مهرجان الموسيقى العربية في نوفمبر 2008 اختيرت الفنانة أسمهان لتكون شخصية المهرجان، فتعايشت رتيبة الحفني مع سيرتها الذاتية وحياتها الفنية، ووجدت نفسها تغوص مع روائع فريد الأطرش الغنائية، كما وجدت أنه من الصعب الفصل بين فريد وشقيقته في السيرة الذاتية وفي الحياة، فهما كالتوأم، يكمل كل منهما الآخر. تقول الحفني: أخذت في قراءة مذكرات فريد الأطرش وغيرها من الكتب التي تناولت سيرته وسيرة شقيقته أسمهان، فشدتني شخصيته، ووجدتني أقف أمام إنسان له عالم خاص، أقف أمام فنان كبير ملأ حياتنا فناً ومتعة وحباً، ضحى بأغلى ما يملكه في الحياة، روحه وقلبه، ومنحهما قرباناً لهيكل الفن، حتى احترق قلبه وتعذبت روحه، كل هذا كي يسعد الملايين، وللأسف لم تتعرض أقلام كثيرة للكتابة عن حياة فريد الأطرش وتحليل أعماله الفنية بالشكل العلمي، لذا فلم يكن من السهل الوقوف على حقائق تخص حياة الفنانين وعلى الأخص فريد الأطرش، الذي امتدحه البعض وانتقده البعض الآخر بصورة، ربما يكون فيها الكثير من المبالغة والانحياز لجبهات فنية أخرى. استفادت الحفني من كتاب لحن الخلود لفوميل لبيب الذي أملى فريد الأطرش عليه سيرته الذاتية بشكل مستفيض، وهذا الكتاب يعتبر مرجعا لكل من يرغب في التعرف إلى السيرة الذاتية لفريد الأطرش وأسمهان، وفي هذا الكتاب - كما تقول الحفني - تعايشت مع الأجواء التي أحاطت بفريد الأطرش وأسمهان، واتصلت بالشخصيات التي تعايشت معهما، كما أنها حاولت الاطلاع على ما كتب عنهما، في الصحف والمجلات، وأكثرت من الاستماع إلى أعمالهما الموسيقية والغنائية، حتى تستكمل جزءاً ولو صغيراً من سيرتهما. تناولت الحفني، إلى جانب السيرة الذاتية للفنانين الكبيرين، بعض أعمالهما بالشرح والتحليل، بأسلوب بسيط يمكن للقارئ العادي المتذوق للموسيقى تفهمها ومتابعتها، كما أنها أضافت في نهاية الكتاب ملحقا لمدونات ونصوص أغاني فريد الأطرش وأسمهان، هذا بخلاف الرحلة الشائقة معهما منذ أن ولدا في جبل الدروز إلى أن ماتا في القاهرة، حيث كان فريد الأطرش يعمل في آخر لقطات فيلمه نغم في حياتي وسرق منه المصحف الذي كان يعتبره حرزا يبعد عنه الشر، وبعدها بشهرين كان يودع الحياة. قال فريد الأطرش في كلماته الأخيرة: إنني عشت الحياة بعرضها وعمقها لأنني لا أعرف كم يمتد طولها، ولهذا أترك من آثاري الفنية ما يبقى في سمع عشاقي وأحبتي عشرات السنين، فإذا لم أكن تزوجت وإذا لم يكن لي ولد يحمل من بعدي اسمي، فإن كفاحي سوف يبقى وما أضفته لمحصلة الفن طوال أربعين عاما قد تسجل في أذن الزمن وخاطر الغيب عصارة لقصتي، هذا ما يضفي عليّ الراحة، كلما سقطت إلى الفراش والموت يحوم من حولي، لقد أديت رسالة حياتي.
مشاركة :