الأولاد نعمة من الله عظيمة، ومنّة من الله جليلة، فهم قرّة العيون، وجلاء الأحزان والهموم، وهم القوة عند الضعف، والعون عند الحاجة، وهم الذخر بعد الموت، والفضل عند لقاء الرب، وهم الذين يستغفرون للآباء والأمهات في الحياة وبعد الممات، وهم الذين يرفعون قدر والديهم بأخذهم كتاب ربِّ الأرض والسماوات، وهم الخير لمن ربّاهم على الخير، وهم الثمرة الطيبة التي تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، وصدق الله تعالى إذ يقول: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. لقد امتنَّ الله تعالى علينا بكثرة الأبناء والبنات، وبوافر الخيرات، فلا يطلبون طلباً إلا تيسّر لهم، ولا يتمنون شيئاً إلا وجدوه أمامهم، نحرص كل الحرص على تلبية ما يحتاجونه من الأكل واللباس والتعليم والمسكن والمركوب، فلا نرى والداً يبخل على أولاده في شيء من أمور الدنيا، بل ينفق بسخاء وكرم دون ملل أو تضجُّر، بل قد يبادر زوجته وأولاده بالسؤال عن كل ما يحتاجه الأولاد، وهو مأجور مشكور إن شاء الله إن حسنت نيته، لأنّ ذلك من قيامه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) (رواه البخاري). ومن تمام المسئولية إكمال حاجيات البيت ومراعاة صحة أهله وأولاده. ولكن هل يا ترى قام ذلك الوالد بجميع المسؤولية التي كلّفه الله بها حسب استطاعته؟ هل نظر هؤلاء الآباء والأمهات إلى الرعاية لأولادهم وتلبية احتياجاتهم الإيمانية والنفسية؟ ألم يسمعوا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ....}. إنا لنجد من الآباء والأمهات من يكون سبباً وعاملاً مساعداً في هدم أخلاق أبنائهم وبناتهم، بل ربما أوصلوهم إلى حب العاجلة وإيثارها على الآخرة بإهمال تربيتهم وتوجيههم، وهذا كله نذير خطر علينا، لأنّ الأجيال القادمة من شبابنا وبناتنا هم الذين سيحملون همّ الدِّين والدنيا من بعدنا، فإذا قصرنا في توجيههم وتربيتهم خلال صغرهم ووقت شبابهم فمتى نأخذ بأيديهم. لقد أهمل الكثير من الآباء في ذلك إهمالاً كبيراً، فتراه يسعى سعياً حثيثاً على أمور دنياه ولو على حساب أولاده، وهو يحسب أن ذلك هو الأهم في حياتهم. وهناك نقطة هامة غفل عنها كثير من الآباء والأمهات، وهي عدم الحرص على تربية الأولاد التربية الصحيحة المبنية على العلم الشرعي الصحيح النابع من الكتاب والسنّة، وعلى الرغم من تيسير العلوم الشرعية عن طريق دور التعليم ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، إلا أن هناك تقصيراً عظيماً في حصول النفع من هذه العلوم، حتى رأينا بعض الآباء والأمهات يعتمدون على ذلك، ولا يتابعون أولادهم في هذا التحصيل الهام الذي ينبني عليه مستقبلهم وحياتهم القادمة. إنّ الاستهانة بهذه الأمور جعلت الأولاد ينصرفون عن هذه العلوم الشرعية، مع وجود المؤثرات القوية عن طريق وسائل الإعلام الهدامة التي تهدف إلى خلخلة العقيدة في قلوبهم، وبث الشهوات المحرّمة في صفوفهم، كي يوقعوهم صرعى يلهثون وراء كل ناعق يدعو إلى الضلالة والغي. إنّ الذين يتمنون السعادة في الدنيا يحرصون كل الحرص على الأخذ بأيدي أولادهم إلى ما يحفظهم، ويوصلهم إلى رضا مولاهم، فليس من سعادة الأب أو الأم أن يريا أولادهما يركبون أفخم السيارات، ويحملون أحدث الموديلات من أجهزة الجوالات، ويلبسون أفضل الملابس، ويسكنون أوسع البيوتات، لا بل سعادة الوالدين أن يروا ثمرة فؤادهم، وبذرة زرعهم قد نمت على حب الخير وأهله، والبعد عن الشر وأهله، والتعلق بدار القرار، والزُّهد في دار الفناء والبوار. فأين هؤلاء الآباء والأمهات الذين يسعدون بذلك وواقع الحال خير شاهد لما أقول؟. لقد ظهرت في الأزمنة الأخيرة فتن وشرور لا يعلم مداها إلاّ الله، ومن ذلك فتنة الذين خرجوا على أُمة الإسلام يضربون فيها البرّ والفاجر، ويقذفون المسلمين بما ليس فيهم، لقد قاموا بتدمير المنشآت، وقتل الأنفس البريئة، وترويع الآمنين، ومكنوا لأعداء الملة والدِّين من أن يسلطوا ألسنتهم وأقلامهم على أهل الدِّين والمتمسكين به، إنّ هؤلاء الذين خرجوا عن إجماع الأُمة، وانتهجوا نهج الخوارج القدامى يتضح للجميع خطورة ما هم عليه من الباطل، ولقد بيّن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم صفاتهم حتى لا يَفتتن بهم مَنْ ليس عنده شيء من العلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة) (رواه البخاري ومسلم). - فانظروا - وصف النبي صلى الله عليه وسلم، عندما ذكرهم أنهم أحداث أسنان، أي صغار في السن ليس عندهم نضج عقلي، وتفكير سديد، وعلم راسخ، بل إنهم يتكلمون في أمر الدين وكأنهم أصحاب العلم الواسع، ويتلفظون بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكأنهم علماء الأُمة وموجهوها، إلا أن إيمانهم لا يجاوز حناجرهم لما في قلوبهم من الشبهات الخطيرة المخالفة لما عليه سلف الأُمة. إنّ هذه الفتنة وغيرَها من الفتن خيرُ شاهد على أنّ البعد عن صراط الله المستقيم الذي أمرنا الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، يعود على الأُمة جميعاً بالضرر في دينها ودنياها. فعن الزبير بن عدي قال أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال: (اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده أشرّ منه حتى تلقوا ربكم). سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم. إنّ الفتن ستزيد كلما مر زمان تلو آخر، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالدين، والصبر على ما ينال العبد من البلاء حتى يأتي نصر الله تعالى. إنّ الأمر جد خطير فأبناؤنا أصبحوا عرضة لكل ناعق يدعو إلى طريق الضلال، حتى غدا أصحاب الفكر الضال يؤثرون تأثيراً رهيباً على فكر أبنائنا، ويأخذون بأيديهم إلى الخروج عن شرعة الله باسم الغيرة على الدين، والتمكين لشرعة رب العالمين، حتى رأينا الكثير من الشباب الذي فتنوا بهم، وتحمسوا لكلامهم، ووقعوا في براثن تخطيطهم أصبحوا أداة هدم بدلاً من أن يكونوا أداة بناء. - أكاديمية بمدينة الملك عبد الله للطالبات ومستشارة أُسرية وتربوية
مشاركة :