يوسف أبو لوز لن نتوقف عن الكلام على اللغة العربية وجوهرها التاريخي، واعتباريتها الأدبية والجمالية والبلاغية، وسنظل نعود إلى الكتب التي تشكل جذوراً ثقافية من هذه الناحية بالذات، ولن نتوقف عن القول: إن العربية لغة كل العصور.. لغة متجددة. لغة حية، لغة فكر وفلسفة وعلم وفنون، بكلمة ثانية هي لغة مرنة تكتسب حيويتها التاريخية من أبجديتها، وإيقاعها، وموسيقاها، واشتقاقاتها، وتكيفها التلقائي مع العصر والحياة والمصطلحات والمفاهيم المطروحة من وقت إلى آخر. يربط جرجي زيدان، وهو من أعلام اللغة والرواية التاريخية، ومن رجالات الثقافة والصحافة في النصف الأول من القرن العشرين.. بين اللغة والفلسفة في كتابه تاريخ اللغة العربية، الذي صدرت طبعته الأولى في 1980 عن دار الحداثة، وهو يتألف من 116 صفحة من القطع المتوسط أكبر من حجمه بكثير، وذلك لأن زيدان يذهب إلى الأدوار التي مرت على اللغة العربية، وهي: العصر الجاهلي، العصر الإسلامي، الألفاظ الإدارية في الدولة العربية، الألفاظ العلمية في الدولة العربية، الألفاظ العامة في الدولة العربية، الألفاظ النصرانية واليهودية، الألفاظ الدخيلة في الدول الأعجمية، ثم أخيراً النهضة الحديثة.. هذه هي محاور الكتاب الثمانية كما شرحها جرجي زيدان، وكان ذلك وقت صدور الكتاب قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، وبكلمة ثانية إن بحث جرجي زيدان يحتاج اليوم إلى بحوث وبحوث بعدما شهدت اللغة العربية مئات، بل، وربما آلاف الألفاظ الجديدة، والمصطلحات، والتوليدات اللغوية، والاشتقاقات. في ما يخص ما طرأ على العربية في العصر الجاهلي أي ما قبل الإسلام يرى زيدان.. إن اللغة العربية نشأت ونمت، أي تميزت فيها الأسماء والأفعال، والحروف، وتكونت فيها معظم الاشتقاقات والمزيدات، وهي لا تزال في حجر أمها، أي قبل انفصالها عن أخواتها الكلدانية، والعبرانية، والفينيقية وغيرها من اللغات السامية... قبل ظهور الإسلام.. اللغة العربية لغة شعر ولغة بلاغة وتأمل، بل، وفلسفة ولكنها لم تتوقف عند هذه الهوية اللغوية (المرونة والحياة والتجدد) مرة ثانية، ففي العصر الإسلامي، كما يرى زيدان، ستكون لغة تفسير وحديث وسائر العلوم الشرعية واللغوية ونحوها... اللغة العربية، أيضاً، لغة محو وكتابة إن جازت العبارة، أي لغة إدخال ولغة حذف. اللغة العربية، أيضاً، لغة إدارة.. وهيلغة علم، ولغة ألفاظ علمية.. لغة مصطلحات طبية، وكيميائية وفلسفية وطبيعية، وهذه المرونة مع هذه المصطلحات يوضحها زيدان بتكثيف واختصار ولكن بدقة عالية عندما يتحدث عن الدور الذي مر على اللغة العربية في العصر العباسي.. اللغة العربية منذ ما قبل الإسلام، ثم دوراتها الحية المتجددة من العصر العباسي في دورات ثمانٍ حتى القرن العشرين بأسلوب علمي صحفي، ومن المعروف أن زيدان كان رجل صحافة، ولكن الجديد = إن أمكن أن يكون جديداً = هو (قلب الإنسان على لغته).. كيف يحس بها؟.. كيف بالدورة الدموية للكلمات؟ كيف يؤاخي اللغة، وكيف أن اللغة هي عقل، وقلب، وروح، فهل.. يتألف من المزيج فكر اللغة أو لغة الفكر؟ عصام نور الدين قدم لجورجي زيدان من بيروت في العام 1979 قائلاً: ..اللغة والفكر توأمان، فلا فكر بدون لغة، ولا لغة بدون فكر، لأن اللغة مرتبطة بالحياة ومتولدة عنها، سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة.. فاللغة مادة التعبير اللفظي والكتابي... بدأ الإنسان يعبر أولاً بيديه وشفتيه ولغة جسده، ثم انتقل إلى الكلام، ثم إلى الكتابة.. واللغة هي العمود الفقري لأي كتابة.
مشاركة :