رفعت سلام: ترجمة «أوراق العشب» مثّلتتحدياً ذاتياً

  • 8/30/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج أنجز رفعت سلام الشاعر والمترجم المصري ترجمات للأعمال الكاملة لثلاثة من كبار آباء الحداثة الشعرية الإنسانية، وهم آرثر رامبو، وشارل بودلير، وكفافيس، وها هو يخرج علينا بترجمة لأعمال شاعر أمريكا الأول: والت ويتمان، ونحن هنا نحاوره عن دوافعه للإقدام على هذا العمل الكبير، وكيف استعد له؟ خصوصاً والعمل يحتوي على جوار ترجمات أشعار ويتمان ترجمات دراسات عنه وقصائد مهداة إليه. * لماذا تأخر إنجازك لأعمال ويتمان الكاملة رغم أنها شغلتك تقريباً قبل أعمال بودلير وكفافيس ورامبو؟ كانت أعمال ويتمان تشغلني منذ التسعينيات، دون أن تسمح لي الظروف بالعكوف عليها. ومع قيام ثورة يناير، وما تلاها من أحداث لاهثة، تفتت الزمن بين أصابعي. وكان لا بد من مواجهة ذلك بعمل رصين أواجه به التشتت والبعثرة. وما شجعني أن الأعمال الشعرية الكاملة التي سبق لي إصدارها تم تلقيها بما يغسل عني العناء والمكابدة في إنجازها.. فضلاً عن ضرورة تقديم التجربة الشعرية الأهم في الشعر الإنجليزي (الأمريكي والبريطاني)، إضافة إلى نظائرها في الشعر الفرنسي واليوناني. والحق أنها تجربة باهظة، تقصم الظهر. فإنجازها بشكل لائق بحاجة إلى ظروف استقرار حياتي وذهني ملائمة، وقدرات ذاتية مكثفة، مضمونة لبضع سنوات متواصلة.. إلى حين إنجاز العمل، وهو ما لا يتوافر دائماً للأدباء والمثقفين (كان عملي على أوراق العشب تحدياً ذاتياً وعناداً مني للظروف المناقضة لهذه الشروط). * هل يحصل المترجم على ما يستحقه؟ في مصر بالطبع لا، فأنت لن تجد المقابل اللائق، أو حتى شبه اللائق وعند نشري الأعمال الشعرية الكاملة لأحد الشعراء الكبار هؤلاء، أقامت الهيئة الحكومية التي نشرت العمل حفل توقيع وأنفقت على الحفل بسخاء بمبلغ تجاوز الخمسين ألف جنيه، أما المترجم، فلم ينله سوى ثلاثة آلاف جنيه على عمل استمر لسنوات. * هل نحن أمام ديوان واحد كتبه ويتمان؟ إنه ليس ديواناً، هو ما نطلق عليه الأعمال الشعرية الكاملة. فلم يصدر ويتمان ديوانًا منفردًا، بل أصدر- عام 1855- الطبعة الأولى من أوراق العشب كديوان صغير الحجم. وظل يضيف إليه ما يستجد من قصائده، في طبعات لاحقة، دون أن يقدمها في دواوين مستقلة، حتى الطبعة الأخيرة التي أشرف عليها وهو على فراش الموت (1892)، بما يعني أن أوراق العشب يتضمن داخله نحو عشر مجموعات شعرية متمايزة. * كيف أحطت بأعمال ويتمان مع هذه الظروف المرتبكة؟ عادة ما أبدأ مثل هذه الأعمال الكبرى بالسيطرة على المادة: بالحصول على أكثر من نسخة أو طبعة من هذه الأعمال (وهي مسألة بالغة الصعوبة هنا في القاهرة، أن تحصل على كتاب أجنبي معين، أو أكثر من طبعة منه). أما الارتباك الأكبر فهو نمط الحياة المربك وظروفها العاصفة (وخاصةً في السنوات المصرية الأخيرة) الذي يبدد التركيز الذهني والشعوري، بل كثيرًا ما يجعلك تحس بعبثية ولا جدوى أي عمل ثقافي استراتيجي الآن. * أليس غريباً أن يكون لشاعر كويتمان ديوان واحد يعيد كتابته؟ يبدو أنه اختيار ذاتي، وحالة مزاجية ما هي التي دفعته لذلك. فلم أقع على سبب معين، سواء لديه أو لدى نقاده ومفسريه. ولكن ذلك يتناسب مع تجربته الشعرية الخارجة على السياقات المعاصرة له والسابقة عليه، بصورة خارقة، تلك التجارب الأقرب إلى الذهنية والتأملية والتعالي على الواقع الحياتي الأرضي، المعتمدة لأبنية شعرية موروثة، منضبطة، بالغة الإحكام الفني إلى حد بالغ الاصطناع. وبالوعي أو اللاوعي، لجأ إلى هذا الحل الفريد في تأسيس عمله الشعري، بل إنه- لدى كل طبعة- كان يعيد النظر فيما سبق، سواء كقصائد منفردة، أو كبنية عمل شعري، ويجري تغييرات متفاوتة عليها في الطبعة الجديدة، بما جعل أوراق العشب عملاً بلا ثبات على مدى حياة ويتمان. كان عملاً متغيراً في كل طبعة جديدة، ولم يتخذ شكله النهائي الأخير إلا بوفاة صاحبه.

مشاركة :