تمرّ أمام عمارة ذات شكل مهيب تسكنها دائرة حكومية مهيبة أيضا. ومَنحتْ نعمة مناقصة إقامة الأسوار الخارجية لمقاول بالغ في تركيب أجود أنواع الرخام المُطرّز. الحديث عن سور خارجي فقط. ولا يبعد عن ذلك المبنى مدرسة رياض أطفال حكومية حتى الآن لم تحصل المديرة على سلفة مالية للتزوّد بمنظفات المغاسل وفتح المجاري الموغلة في العفن. لا.. ومع هذا نتوقع بيئة تعليم مريحة. لو كنتُ ذا علم بحقائق المستقبل لعمدت إلى تأسيس خدمة منزلية ومكتبية مهمتها فقط تعقيم أو تنظيف مجاري الهواء في المكيفات المركزية. ألم تنجح مؤسسات أعطتنا خدمات مكافحة الصراصير والنمل والجرذان؟ وثبت للهيئات الطبية الأميركية وجود علاقة بين نوع من أنواع الحساسية الجلدية والتنفسية، وبين مجاري الهواء في المباني التي تستخدم التكييف المركزي. ففي إحدى البنايات، عجز أرباب العمل عن الوصول الى أسباب مقنعة تفسر كثرة الاجازات المرضية الجماعية. وتبين بعد بحث دقيق وجود هذه العلاقة التي اطلقوا عليها مصطلح البنايات المريضة Sick Building. وظهر أن ثمة نوعاً من أنواع الفطريات ينشأ مع مرور الزمن في المجاري الهوائية، ولايحس به الإنسان، لكنه في تفاعله مع معادلات كيميائية اخرى ناتجة عن جهاز التكييف نفسه، يوجد هذا النوع من العجز الجسدي والذي يسمى Sick Building. وكغيره من ترف العصر، قمنا في هذه المنطقة من العالم بتركيبه واستعماله والتمتع بهوائه البارد، وتحمل تكاليف انشائه وصرفه للكهرباء، ولم يخطر ببالنا شيء من هذا القبيل. وما كان لنا أن نتخيل اننا سننام ونصحو ونأكل في فضاء منزل أو قصر لا يعرف رياح السموم، ولا هجير منتصف النهار أو ظمأ الـــ قايلة. وأذكر أنهم كانوا يخوّفوننا من الخروج للشمس في منتصف النهار قائلين اذا طلعت يأخذك حصان القايلة.. وجاءنا حصان القايلة أخيراً على شكل فيروس يجري في مجاري الهواء.. وبدلاً من ضربة شمس حصلنا على مرض Sick Building. ونطقاً بالحق أقول: إن شركات ومؤسسات خدمات التبريد المركزي في بلادنا اجادت البحث عن معطرات الجو الملازمة للمكيف، لكنها لم يدق بالها بعدُ إعطاء اهمية كاملة للفحص الدوري لمجاري الهواء في اماكن معيشتنا... عملاً أو سكناً. لو نفذ الفكرة مموّل أو مهندس تكييف فأرجو ألا ينساني من أرباحه (!).
مشاركة :