استهل النفط الخام تعاملات الأسبوع على تسجيل انخفاضات سعرية مدفوعة من تصريحات إيرانية سلبية جددت المخاوف من فرص نجاح اجتماع المنتجين في الجزائر، المقرر له الشهر المقبل، ضمن الاجتماع الوزاري لمنتدى الطاقة الدولي الذي تحضره روسيا أيضا، حيث عادت طهران إلى الحديث عن حصة سوقية أكبر وعن ضرورة اعتراف بقية المنتجين بحقها في زيادة الإنتاج. كما تلقت أسعار النفط ضغوطا متزايدة من استمرار زيادة الإنتاج العراقي وتسجيله مستويات قياسية جديدة، عززت القلق من تفاقم حالة تخمة المعروض الحالية وتأثيراتها السلبية في تعطيل تعافي السوق واستعادة مستوى أسعار جيد. في المقابل، جاءت تصريحات سهيل المزروعي وزير الطاقة الإماراتي، لتخفف نسبيا الأجواء السلبية الناتجة عن الموقفين الإيراني والعراقي، حيث أكد المزروعي ثقته بتعافي الأسواق واتساع الحصة السوقية لدول منظمة أوبك في السوق العالمية للنفط، لكنه شدد أيضا على ضرورة انضمام كل المنتجين لأي إجراء جديد لدعم السوق وتخفيف حدة تخمة المعروض. كما أدى ارتفاع الدولار الأمريكي أمام بقية العملات الرئيسية، إلى زيادة الضغط على أسعار النفط الخام وفق العلاقة العكسية، وكان الدولار قد استأنف ارتفاعاته، بعد تحسن مؤشرات الاقتصاد الأمريكي وتوقع رفع سعر الفائدة. وفي هذا الإطار، قال لـ "الاقتصادية" برنارد لوني؛ مدير مشاريع المنبع في عملاق الطاقة بريتيش بتروليوم "بى بى"، "إن منظومة الطاقة وبيئتها السعرية قد تغيرت بشكل كبير جدا، ما له تأثير واسع في جميع أطراف الصناعة، لكن لا يجب الانزعاج، لأنها ليست المرة الأولى التي تتهاوى فيها الأسعار". وأضاف "في الماضي تعاملنا مع أزمات انخفاض الأسعار من خلال خفض التكاليف وترشيد الإنفاق وبعض الشركات لم تتحمل الأزمات، بينما البعض الآخر اجتازها بنجاح وخرج منها أقوى من السابق". وأشار إلى أن السؤال الذي يتكرر على مسامعه كثيرا هو: هل تراجع الأسعار هذه المرة يختلف عن الدورات الاقتصادية السابقة، وهل انخفاض الأسعار سيستمر إلى فترات طويلة غير مسبوقة من قبل؟ مؤكدا قناعته بأن انخفاض الأسعار لن يستمر كثيرا لأن تقديرات نمو الطلب على النفط الخام على المدى الطويل قوية جدا. وأضاف، أن "مكافحة التغير المناخي وثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة يعدان من أبرز التغيرات المهمة والديناميكية في سوق الطاقة، كما أن التطورات التكنولوجية أتاحت الوصول إلى موارد جديدة ومتنوعة للطاقة، ونحن بالفعل في مرحلة الطاقة الرخيصة". من جهته، أكد لـ "الاقتصادية" سيفين شيميل؛ مدير شركة "في جى إندستري" الألمانية، أن اجتماع الجزائر قد يلقى نفس مصير اجتماع الدوحة إذا أصرت إيران على عدم تغيير موقفها تجاه تجميد الإنتاج، مشيرا إلى أن وزير النفط الإيراني فاجأ الأسواق من جديد بالحديث عن الحصة السوقية وحق بلاده في زيادة قدراتها الإنتاجية. وأشار إلى أن إجماع وتوافق المنتجين سيبقى كلمة السر في تحقيق تقدم في قضية تجميد الإنتاج، وهو ما أكده وزير الطاقة الإماراتي، وبالتالي قد يؤدي التعنت الإيراني من جديد إلى العودة إلى مربع صفر وعدم حدوث أي تقدم في هذا الملف". وأضاف، أن "استقرار منصات الحفر الأمريكية لأول مرة دون زيادات منذ نحو شهرين كان من المفترض أن ينعكس إيجابيا على الأسعار، لولا الزيادات الواسعة التي حققتها العراق في الصادرات النفطية، وحديث إيران بشكل سلبي عن اجتماع الجزائر والدور المنتظر منه في إقناع المنتجين بشكل جماعي بتخفيف حدة المعروض النفطي في السوق العالمية". من جانبه، قال لـ "الاقتصادية" بن فان بيردن؛ المدير التنفيذي لشركة رويال داتش شل العالمية للطاقة، "إن هناك تغييرات جوهرية في منظومة الطاقة في العالم يجب أن نقبل بها ونتعامل معها، ولا شك أن العالم أصبح الآن أكثر اقتناعا بتكامل موارد الطاقة المختلفة سواء التقليدية أو الجديدة". وأشار إلى أن مزيج الطاقة العالمي سيكون خلال عقود مقبلة حتما خليطا من مصادر الطاقة المتجددة والنفط والغاز، منوها بأن إدراك هذه الحقيقة يعد أمرا حاسما لتحقيق الانتقال الفعال والكفء في منظومة الطاقة. وأضاف، أنه "كما يعلم الجميع من المتوقع أن ينمو الطلب على الطاقة بحلول عام 2035 ووفقا لسيناريوهات وكالة الطاقة الدولية يمكن أن يرتفع الطلب بنحو 25 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وفي هذه الحالة يجب أن ندرك أنه مثلما سيرتفع الطلب سترتفع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ما يتطلب العمل جديا على خفضها خاصة بعد أن توصل المجتمع الدولي إلى اتفاق كبير وطموح في هذا المجال وهو اتفاق باريس بشأن تغير المناخ". ولفت إلى أن السؤال الأساسي الذي يواجه منظومة الطاقة في كل دول العالم سواء المنتجة أو المستهلكة، هو: إلى أي مدى يمكن للدول تحويل اقتصاداتها لتلبية احتياجات نمو الطلب والعمل في نفس الوقت بقدر أكبر على خفض الانبعاثات؟ موضحا أن التحدي الأكبر في هذا المجال هو مدى السرعة التي يمكن أن ينفذوا بها هذا التوازن المنشود بين زيادة الإنتاج وتقليل الانبعاثات. من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، هبطت أسعار النفط مقتربة من 49 دولارا للبرميل أمس، تحت ضغط من زيادة إنتاج دول الشرق الأوسط الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وتضرر السلع الأولية من ارتفاع الدولار. وانخفض خام القياس العالمي مزيج برنت 62 سنتا إلى 49.30 دولار للبرميل بحلول الساعة 09:04 بتوقيت جرينتش. وخام القياس العالمي منخفض بأكثر من 6 في المائة عن مستوى الذروة الذي سجله هذا العام الذي بلغ 52.86 دولار للبرميل في التاسع من حزيران (يونيو)، وانخفض الخام الأمريكي 60 سنتا إلى 47.04 دولار للبرميل. وأدى الحديث عن ارتفاع الإنتاج إلى انحسار التوقعات بتوصل المنتجين من داخل "أوبك" وخارجها مثل روسيا الشهر المقبل إلى اتفاق بشأن خطوات لدعم الأسعار، مثل تثبيت الإنتاج بعد انهيار جهود مماثلة في نيسان (أبريل) الماضي. كما تأثر النفط بارتفاع الدولار حسبما يقول تجار، إذ ارتفعت العملة الأمريكية إلى أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع أمام نظيرتها اليابانية أمس، بعدما عزز مجلس الاحتياطي الاتحادي "البنك المركزي الأمريكي" التوقعات برفع أسعار الفائدة في وقت قريب. ومن شأن ارتفاع الدولار أن يجعل السلع الأولية المقومة به مثل النفط أغلى ثمنا على حائزي العملات الأخرى، وهو ما يفرض ضغوطا نزولية على أسعار الخام. وتراجعت أسعار النفط في السوق الأوروبية أمس، في مستهل تعاملات الأسبوع بعدما تكبدت الأسبوع الماضي أول خسارة أسبوعية في شهر، يأتي ذلك تحت ضغط تصريحات إيرانية حول عدم المشاركة في تجميد الإنتاج قبل استعادة حصتها السوقية. وبحلول الساعة 09:00 بتوقيت جرينتش تراجع الخام الأمريكي إلى مستوى 47.00 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 47.20 دولار، وسجل أعلى مستوى 47.26 دولار وأدنى مستوى 46.77 دولار. ونزل خام برنت إلى مستوى 49.25 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 49.46 دولار، وسجل أعلى مستوى 49.58 دولار وأدنى مستوى 49.04 دولار. وأنهي النفط الخام الأمريكي "تسليم أكتوبر" تعاملات يوم الجمعة منخفضا بنسبة 0.2 في المائة، في ثاني خسارة خلال ثلاثة أيام، واستقرت عقود برنت "عقود أكتوبر" دون أي تغيير يذكر. وعلى مدار الأسبوع الماضي فقدت أسعار النفط أكثر من 3.5 في المائة في أول خسارة أسبوعية خلال شهر، مع تصاعد مخاوف فشل محادثات الجزائر في دعم السوق وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، إضافة إلى ارتفاع غير متوقع لمخزونات الخام في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستهلك للنفط في العالم. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 45.75 دولار للبرميل يوم الجمعة، مقابل 45.28 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة، حقق ثاني ارتفاع له على التوالي، وإن السلة خسرت أقل من دولار مقارنة بالسعر الذي سجلته في نفس اليوم من الأسبوع السابق الذي بلغ 46.82 دولار للبرميل".
مشاركة :