لم يشفع التاريخ العريق والبطولات الكبرى للشباب، في تجاوز ما يتعرض له من مواقف مالية متأزمة، وعجز إداري وشرفي واضح تجاه سداد الديون، وبات النادي العاصمي إنموذجاً واقعاً فرضته الظروف، وتخلي الداعمين المؤثرين. الوقوف على تعثر الشباب مالياً لم يعد ملهماً للنقاد والمتابعين لحال الأندية السعودية في الأعوام الأخيرة، بقدر أنها حالة تستحق الدراسة والتمحيص، وتمثل جرس إنذار للبقية من إدارات الأندية، مع تزايد الديون وتراكم الاستحقاقات الداخلية والخارجية، وهو ما دعا هيئة الرياضة للتدخل وفرض القيود على الأندية المديونة، وتعقب حساباتها المالية، في محاولة أخيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه، قبل وصول بعض الأندية حد الإفلاس، كما حدث سابقاً لأندية عريقة كان يشار لها بالبنان على مستوى العالم. الجماهير لا تصفق عادة إلا للأهداف وهي تراها تهز شباك المنافسين، وللمعان الكؤوس في نهاية كل بطولة، غير ذلك هو من دون اهتمامها، ولعل من الأسباب الوجيهة التي أفرزت ظاهرة الأموال الساخنة كما يصفها أهل الاقتصاد بوصفها تحضر وتختفي بذات السرعة، والتي يحملها بعض الرؤساء الجدد في حقائبهم، لبناء فريق ينافس لموسم أو لموسمين أو لثلاثة، وتحقيق بعض المنجزات، ثم الهروب الكبير بعد استيفاء كل ريال تم صرفه، تاركاً النادي يغرق في ديونه وهمومه، بانتظار رئيس مماثل، أو رئيس ظل يواجه غضب الجماهير، تجاه تراجع النتائج بفعل الهدر المالي السابق، ويبدأ رحلة الاستجداء لطلب العون. اختفاء الشرفيين المؤثرين أضحى هو الآخر ظاهرة مشابهة لهروب الرؤساء المقتدرين، ومن بقي من هؤلاء الشرفيين يفضّل البروز الإعلامي، ومعه التدخل في شؤون النادي الفنية والمادية، مقابل استمرار دعمه، وهو عادة ما يجد رفضاً من بعض رؤساء الأندية غير الصوريين، وهكذا ينسحب الداعم بهدوء ويبقى الرئيس يجدّف وحيداً ضد التيار، بانتظار أقرب المخارج للهروب من فوهة المدفع، وتجنب الأزمة العاصفة. الشباب النادي ربما يتجاوز أزمته المادية هذا الموسم، ويجد الحلول لكل أزماته الحالية، إلا أن ما يلوح في الأفق القريب يفرض عليه وبقية الأندية الحذر من المستقبل القريب، والعمل وفق الإمكانات الحقيقية للنادي، من دون إسراف أو بذخ، خصوصاً في جانب توقيع العقود الاحترافية للاعبين المحليين والأجانب، والتغيير المستمر في الأجهزة الفنية، ما يستنزف الخزانة المالية للنادي، ويشغل إدارات الأندية في ملاحقة الشكاوى المترتبة في الجهات الرياضية الحقوقية المختصة محلياً ودولياً وما يتبعها من توكيل محامين لهم نصيب من الأموال المهدرة. خطوة هيئة الرياضة الأولى من نوعها هذا الموسم، في فرض الرقابة على حسابات الأندية المالية، وإجبارها على إعلانها، ثم ترسيخ عاملي المراقبة والمحاسبة، لن تكتمل إلا بخطوات مماثلة من اتحاد الكرة، أكثر صرامة وجدية مع إدارات الأندية، لمحاصرة الديون وتقليصها إلى حدود لا تثقل كاهل الإدارات الجديدة للأندية، وسن نظام يحاسب إدارات الأندية المستقيلة ولو عبر جمعياتها العمومية، وفق عملها وتصرفها في مقدرات النادي، غير ذلك سيستمر مسلسل ابتعاد الشرفيين وعزوف رؤساء الأندية وتنفير الجدد منهم، وتسرب النجوم البارزين، ثم إغراق النادي في بحر من الديون، لن ينتهي إلا بتسليم النادي لهيئة الرياضة، أو هبوطه لدرجات دنيا قد لا تليق بتاريخ النادي، وموقعه المفترض في خارطة الكرة السعودية.
مشاركة :