ما قلَّ ودلَّ قبْل ترامب أو هيلاري

  • 8/30/2016
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

سجل السباق الرئاسي في الولايات المتحدة رقمًا قياسيًا في مفردات تبادلها دونالد ترامب مع هيلاري كلينتون.كما أن بعض الأوساط السياسية والإعلامية للاثنين سرَّبت بعض المعلومات والصور التي تتصل بخصوصية كليْهما. وقد يقال إن الحياة الديمقراطية تجيز مثل هذه الأساليب وأكثر، ولكن الذي يقال يترك ندبات على وجه تلك الديمقراطية، خصوصًا أن الأمور تتجاوز أحيانًا مسألة التعبير على نحو ما يخطر في البال وتلمس ما من شأنه رسْم علامات استفهام فوق هذا الذي يحلم بأن يترأس، أو تلك التي تتطلع إلى أن تكون أول امرأة في تاريخ الرئاسة الأميركية. ومع أن سيدات وصلن إلى هذه القمة مِن قبل، أحدثهن تيريزا ماي رئيسة حكومة بريطانيا فور انفصالها عن الاتحاد الأوروبي، فإن فوز هيلاري سيؤسِّس لظاهرة قد تزدهر، وتتمثل في أن دولاً كثيرة من بينها فرنسا ستجد نفسها وقد ترأست البلاد امرأة. استباقًا لدخول الولايات المتحدة عهد الرئيس المرأة أو الرئيس الظاهرة، باعتبار أن «الترامبيسم» ستصبح واحدة من المفردات السائدة، لأن الظهور السياسي للملياردير والنجم الاجتماعي غير المعروف كواحد من رموز العمل السياسي في الولايات المتحدة كان ظهورًا مباغتًا، يجد الكاتب مثل حالي نفسه يستحضر من أدبيات عهود أميركية مضت بعض ما يعطي فكرة عن الذين ترأسوا هذا البلد. وتشير الأدبيات والمؤلفات إلى أن هنالك مَن سئم السياسة قبل انقضاء ولايته، وكان يُعد العدة للاعتزال والذهاب في رحلة استجمام إلى أوروبا، وهو الرئيس الثالث عشر ميلارد فيلمور، بينما الرئيس السابع عشر أندرو جونسون جاء من أسرة فقيرة وعمل خياطًا قبل الترؤس. أما الرابع عشر الذي خلفه فرانكلين بيرس الجنرال الشديد العداوة للمكسيك والمتعصب ضد الخمر، فإنه فقد ثقة الرأي العام به قبل انتهاء ولايته. وكلاهما كان خلاف الرئيس الخامس عشر جيمس بيوكانان الذي ظل يسعى للمنصب طوال 24 سنة حتى حصل عليه ليخلفه أبراهام لينكولن، الذي اغتيل بواسطة مسدس وهو يشاهد مسرحية في أحد مسارح واشنطن بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية. وفي المشهد الرئاسي الأميركي ماضيًا حالات لافتة، مثل أن 12 وصلوا إلى منصب الرئيس عن طريق الجيش، منهم الأرستقراطي جورج واشنطن (الرئيس الأول)، ومثل أن الرئيس التاسع وليم هاريسون توفي بعد وصوله إلى الرئاسة بشهر، وأن الرئيس الثامن عشر الجنرال يوليسيس غرانت انتهى عاطلاً عن العمل بعد فترتيْن رئاسيتيْن، وأن الرئيس التاسع عشر راثرفورد هايز منع التدخين والخمر في البيت الأبيض وقرر مختارًا عدم إعادة ترشيح نفسه وحصل على الرئاسة بفارق صوت واحد، وأن الرئيس العشرين الذي خَلَفه جيمس غارفيلد انتهت رئاسته بعد 199 يومًا بعدة رصاصات من قاتل مجنون. وبسبب هذا المصير نرى الرئيس الواحد والعشرين تشستر أرثر لم يكن متحمسًا للرئاسة، وبكى علنًا احتجاجًا ربما كي لا يصيبه ما أصاب سَلَفه ثم مَرِض في العام الأخير للرئاسة، وكان حريصًا على التنزه في الهواء الطلق، ثم قرر مختارًا عدم إعادة ترشيح نفسه، مفسحًا المجال أمام الخَلَف كرومر كليفلاند، الذي كان أول رئيس يتزوج في البيت الأبيض. الرئيس الثامن والعشرون وودرو ويلسون كان أول رئيس يتحدث عن النظام العالمي الجديد، وأول رئيس أميركي يسافر خارج حدود البلاد إلى أوروبا لتوقيع معاهدة السلام. وفي أواخر عهده أصيب بالشلل، ليخلفه وارين هاردنغ الذي انطلقت في عهده عدة فضائح حول رشى التنقيب عن النفط. ثم يأتي الرئيس الخلَف كالفن كوليدج الذي كان ضد البروتوكول ويظهر أحيانًا بملابس رعاة البقر. وكيف أنه قبل الرئيس الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت الأشهر بين السابقين، رغم عجز ساقيْه بسبب مرض الشلل الذي أصابه في شبابه، كان هربرت هوفر أول رئيس أميركي استخدم الراديو في إذاعة بياناته وتعليقاته للشعب الأميركي مباشرة. مع الرئيس الثالث والثلاثين هاري ترومان بدأت أحوالنا العربية مع أميركا ترتبك وأحيانًا تصل إلى ذروة التأزم. فهذا الرئيس الذي كان قبل الترؤس مدير محل برانيط ما لبث أن أفلس، هو الأول الذي ظهر على شاشة التلفزيون ليعلن اعتراف أميركا بإسرائيل. لكن الذي خفف من صدمتنا كعرب به كان خلَفه الجنرال دوايت أيزنهاور بعد الإنذار الذي وجّهه لوقف العدوان الثلاثي (بريطانيا. فرنسا. إسرائيل) على مصر، ردًا على تأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس. ولولا رحيل الرئيس الخلَف جون كيندي الذي كان أصغر رئيس قضى اغتيالاً، لكان للسياسة الأميركية وفق رؤية أيزنهاور أن تتواصل. ثم جاء الرئيس السادس والثلاثون ليندون جونسون يتخذ خط الانحياز الأعمى لإسرائيل متساهلاً في احتلالها الأرض العربية، من دون أن يكمل خلَفه ريتشارد نيكسون (الرئيس الرابع والثلاثون) سعيًا بدأه بعد زيارة قام بها إلى مصر لتصحيح ما يمكن تصحيحه من مسار الموقف الأميركي بعدما كان أول رئيس أميركي يزور موسكو، وربما من أجل ذلك أُنهي بفضيحة «ووترغيت»، فجاء بعده جيمي كارتر ينتزع مصر من فضاء العداوة العربية مع إسرائيل إلى إغواء رئيسها أنور السادات بمحاسن عقْد اتفاقية «كامب ديفيد» مع مناحيم بيغن. وكما أن ترامب أو «الترامبيسم» ظاهرة، فإن «الريغانيسم» هي الأخرى ظاهرة، وتتمثل في أن الرئيس الأربعين كان رونالد ريغان أحد نجوم هوليوود مخترع شخصية «رامبو» ومتقمصها، ثم بعد عدوانه على ليبيا وقع صريع «ألزهايمر»، ليخلفه جورج بوش الذي حكاية العرب معه حكاية طويلة ستمر بضعة عقود قبل توضيح معالمها وكشْف خباياها. وحكاية بوش الأب بنوعية حكاية العرب مع بوش الابن، وبينهما بيل كلينتون الذي احترنا كعرب في أمره بمثل حيرتنا مع الرئيس الرابع والأربعين باراك أوباما الذي وعدنا بالمن والسلوى، ثم نكتشف أنه باعنا السمك في البحر. وها هو، استعدادًا للانصراف بعد أربعة أشهر، منشغل في إنشاء أكبر محمية طبيعية بحرية في العالم في هاواي حيث وُلد، من أغراضها منْع السباحة والغوص قرب الدلافين. وأما الذي تسببت به وعوده ونكوصه وتردده، للبشر والحجر في بعض بلاد الأمة، فهذا أمر برسْم الوارث الخامس والأربعين؛ ترامب أو هيلاري، هداهما الله.

مشاركة :