الديمقراطية العربية من الانقلابات العسكرية إلى الإصلاحات الغربية

  • 8/30/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت الدول العربية منذ خمسينيات القرن الماضي انقلابات عسكرية أطاحت بالعديد من الأنظمة التي انتهجت التعددية والديمقراطية بدرجات متفاوتة من أجل قيام أنظمة ديمقراطية أكثر تقدمًا، إلا أنه للأسف تحولت تلك الأنظمة الجمهورية الجديدة إلى دكتاتوريات أضرت بالمسيرة التعددية في العراق ومصر على سبيل المثال، كل ذلك بسبب السياسة التي اتبعتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية آنذاك في هذا الشأن، والتي كان هدفها دعم خطط الإصلاح في الوطن العربي وفق رؤية ممنهجة عمودها الفقري المصالح الغربية أولاً وأخيرًا، فقد كانت الأنظمة السياسية العربية أنظمة ملكية دستورية كما في العراق ومصر، أطيح بها جميعًا بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة انقلابات عسكرية مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لتنهي مرحلة متقدمة من العمل الديمقراطي كان بحاجة للتطوير بدلاً من الانقلاب الذي كان القصد منه استنزاف ثروات الأمة العربية ونفطها الذي يشكل عصب الصناعة الغربية، أما سياسيًا فقد كان هدفها حماية أمن إسرائيل التي زرعت في الوطن العربي وفق وعد بلفور عام (1917م). إن الحملة الدولية الحالية للتغيير السياسي في الوطن العربي بذريعة حماية حقوق الإنسان ودعم حرية التعبير والتي تقودها دول كبرى في مجلس حقوق الإنسان أو في إطار العلاقات الثنائية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط وبناء التحالفات العسكرية والأمنية والسياسية، تصطدم بانعدام التواصل الحقيقي مع قيمنا الإسلامية وبالتالي مع الشعوب والحكومات العربية، ومن هنا فما أوضحه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الهام الذي ألقاه أمام البرلمان التركي في (أبريل 2009م) بأن (أمريكا ليست ولن تكون أبدًا في حالة حرب مع الإسلام) لا يعبر عن الواقع الحقيقي الذي يكشف انعدام الثقة والخلافات الحادة بين الشرق والغرب والتي ظهرت على السطح بعد هجمات (سبتمبر 2001م) وأعمال الإرهاب الدامية وغير المسبوقة التي طالت أهم العواصم الأوروبية مؤخرًا والتي دفعت بالمرشح الأمريكي الجمهوريه دونالد ترامب للتصريح بمعاداته للإسلام في العديد من الخطب والبيانات خلال حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض، وليس غريبًا أن تتوجه مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون إلى ذات التوجه في حملتها الانتخابية ولو بصورة أقل، وفي ذلك أدلة تؤكد ضعف التحالفات العربية الغربية، وبعد القيم المشتركة للحضارتين الإسلامية والغربية والمبادئ السمحة للتعايش والسلام. لذلك، فإذا أردنا للتحالف العربي الغربي أن يحقق النجاح ونرى نتائجه الإيجابية كواقع ملموس، فإنه يجب أن يتولد لدى الجانبين فهمٌ أعمق للإسلام والمدنية الغربية، وأن يبنى هذا التحالف على أسس من التفاهم والقيم المشتركة، وأن تبذل جهودًا مشتركة لمعالجة المظالم السياسية والاجتماعية القائمة منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة عام (1945م) والتي تسببت في نشر حالة من الإحباط لدى الشعوب المقهورة وبالأخص الشعوب العربية، وانعكس تأثيرها على تفاقم الإرهاب كظاهرة عالمية وتوالي الحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط. إن فشل الأمم المتحدة الذريع في إدارة القضية الفلسطينية رغم عدالتها واستخدام الدول الكبرى لحق النقض (الفيتو) بما يتوافق والمصالح الإسرائيلية لتعطيل القرارات الهادفة لحل الأزمة، ضاعف من حالة الإحباط العربي، وأخل بثقة العرب في حيادية الأمم المتحدة وقدرتها على رفع المعاناة الإنسانية والأمنية والسياسية عن الشعوب العربية، وأثبت بأننا نعيش في إطار مجتمعات عالمية متفاوتة تفاوتًا كبيرًا في تراثها الإنساني الذي وقف عاجزًا أمام العدالة. أما ما يعانيه العراق منذ (2003م) وما يجري في سوريا منذ (2011م) من صراع طائفي وتدهور أمني وتخبط سياسي خطير تقوده إيران بشكل معلن وبموافقة أمريكية وغربية، لا يعد معاناة رهيبة لشعوب عربية مقهورة فقط وإنما هو سقوط مدوٍ لقيم التسامح والتعايش والتواصل والمساهمات المشتركة وتراجع صارخ لتواريخ من الانفتاح والتنوع والانجازات بين الحضارتين العربية والغربية التي اجتمعت في الأندلس في القرن الثالث عشر الميلادي. لذلك فإن فشل الأمم المتحدة وتراكم أخطائها وعدم حياديتها وعجزها الواضح عن حل مشاكل العالم منذ (1945م) وحتى يومنا هذا، ساعد على بروز ظاهرة الإرهاب كظاهرة عالمية تتمدد بوضوح في العالم ولا تقف عن حد معين، ولا تردعها أي قوة كانت، وساعد ذلك الفشل كذلك على زيادة ثقة الإرهابيين بصحة ما يقومون به من أعمال دموية وجرائم غير مسبوقة في التاريخ، وهذا يشكل تهديدًا قمة في الخطورة على الحضارة الإنسانية ولا يمكن مواجهته إلا بوجود مجتمع عالمي عادل وقادر على تشجيع المصالحة العالمية وتحقيق المصالح المشتركة بشكل حيادي وموضوعي ودون تمييز بين الثقافات والأديان. وللمقال بقية.. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.

مشاركة :