حمد بن صراي: التاريخ للمحترفين الصابرين والهواة حطابو الليل

  • 8/31/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عبير زيتون (رأس الخيمة) يرى د. حمد بن صراي، أستاذ التاريخ القديم في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات، أن علم التاريخ هو حصيلة السجل الشامل للتاريخ البشري، تسري شرايينه في الحاضر، ويحتاج إلى علماء مختصين به أكاديمياً، يملكون صبر الجلوس مع أحداثه، وأمانة صوت العقل في قراءة معطياته، لكن الواقع الراهن يشهد غياب تلك الصفات مع طغيان هواة التاريخ الذين يتخذون من هواهم سلماً لتحقيق طموحاتهم الشخصية، وهذا يسيء لمفهوم علم التاريخ وللمعرفة البشرية بشكل عام. وتتميز تجربة صاحب كتاب «الإبل في بلاد الشرق الأدنى القديم وشبه الجزيرة العربية»، الفائز بجائزة أفضل كتاب إماراتي العام 2012، بتفاصيل غنية تجعل الحديث معه في علم التاريخ ونقده متشعباً بتشعب مسارات مسيرته المهنية الموزعة بدقة بين البحث التاريخي، والتراث بشقيه المعماري والمروي، والتأريخ والتأليف والترجمة والنقد التاريخي، إلى جانب عمله الأساسي كأستاذ محاضر بعلم التاريخ والآثار في جامعة الإمارات، وهو ما أضاف الكثير من الغنى العلمي إلى مسيرة المؤلفات التاريخية المميزة بدقتها، وأمانتها، والتي ساهمت بموضوعاتها الرصينة الموثقة بأدلة آثاريّة في إضافة لبنات معرفية مهمة إلى الجوانب التاريخية والتراثية والحضارية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأصالة الإمارات العربية المتحدة وعراقتها الحضارية عبر فترات متعاقبة من التاريخ القديم. وحول مسيرته العلمية بين التدريس والتأليف التاريخي قال الدكتور بن صراي، أول خرّيج إماراتي في التاريخ القديم لـ «الاتحاد»: إن التعامل مع التاريخ يتطلّب حرصاً ودقّة وأمانة، وأي شخص يكتب في التاريخ عليه أن يراعي العلمية والموضوعية، ولا يتخذ هواه سلّماً لتحقيق طموحات شخصية. فتاريخ المنطقة متنوّع وزاخر، وعلى الباحثين الجادين الكتابة في ميادينه المختلفة، في الآثار، والكتابات والنّقوش، والمسكوكات، والمعثورات واللقى، وربط كل هذه العلوم بعلم التاريخ للاستفادة منها في إحقاق الوقائع التاريخية. والذي ينقصنا وينقص المنطقة لإبراز دورها الحضاري هو وجود الباحثين الجادّين، الصبورين الذين تحصّلوا على إحدى شهادات التاريخ من البكالوريوس إلى الدكتوراة، لكنّ ذلك لا يمنع من قيام بعض الكتّاب من غير المؤرّخين بالتأليف في هذا الميدان مع مراعاة الدّقّة والأمانة. وأضاف صاحب مؤلف «تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم» حول هذه النقطة: «الجمع بين التدريس في قسم التاريخ والآثار في جامعة الإمارات، وبين التأليف هو في حدّ ذاته متعة نفسيّة وعلميّة، إذ تجعلني ممسكاً بطرفَي الممارسة العلمية، فالتدريس جعلني متواصلاً مع أجيال المتعلّمين المختلفة على مستوى الإمارات، والكتابة والتصنيف جعلاني متواصلاً مع النّاس والقرّاء في الإمارات وخارجها. والتدريس الأكاديمي في الجامعة هو الفارق بين الكاتب في التاريخ مهما كانت شهادته، وبين الكاتب الأكاديمي الذي يعمل في جامعة، فالأوّل لم يعرف كيف يتواصل مع الأجيال، وبدأ يكتب كحاطب ليل، وأما الأستاذ الجامعي فله خبرة وتجربة علميّة وعمليّة، وأضحى الإنتاج العلمي علامة على التطوّر والرقيّ الفكريّ عند الأستاذ الجامعي». أكبر الإشكاليّات ويرجع د. حمد بن صراي، الذي شغل سابقاً منصب رئيس مجلس إدارة جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليج العربي، ضعف إقبال الشباب على دراسة علوم التاريخ والآثار في الإمارات إلى ما يسمى بسوق العمل، وإصرار البعض على التّخصّص في الميادين العلمية،قائلاً: للأسف إنّ هذه الفكرة ترسّخت خطأً في عقول البعض، ومن أكبر الإشكاليّات ربط التخصّص بالوظيفة وليس بالعلم في حدّ ذاته، وهذا ما أبعد بعض الشباب عنه خشية بقائهم عاطلين عن العمل. كما أنّ المناهج التربوية قلّصت تدريس التاريخ في المدارس، ودُمجت المادّة في مادّة «الاجتماعيات». وهذا التقليص يُشعر وكأنّ علم التاريخ غير مقبول وليس له قيمة. وحول أهمية المعطيات الآثارية المكتشفة حديثاً في الإمارات وقيمتها المعنوية والتاريخية وعلاقتها بعلم التاريخ، قال د. بن صراي: المكتشفات الآثارية - بلا شك - دليل مهم على الواقع الحضاري الذي كانت تمر به المنطقة، وأحياناً تكون الآثار هي الدليل الوحيد على الحضارة في حال اختفاء المصادر الكتابيّة، وهي بالتّالي تشكّل لنا تأريخاً متكاملاً، خاصّة إذا كانت المعثورات كثيرة ومتنوّعة ومتباينة، ومن خلالها نتعرف على المكانة الحضارية للمنطقة في العصور الغابرة، كما أنّ المعثورات الآثارية أرّخت الحقب الزمنية للإمارات، فهي إذن لها جانبان: جانب تأريخي وجانب حضاري. وأمّا تقويم المكتشفات الآثارية فهي حتى الآن هي الدليل الأبرز على الحياة البشرية في المنطقة، وعلم الآثار أحد الروافد المهمة لعلم التاريخ. ويعمل د. حمد بن صراي حالياً على العديد من المشاريع البحثية في مجال علم التاريخ والآثار التي تجمع في طياتها بين التاريخ الشفوي والمادي، وحول هذه النقطة يقول: أنهيت ترجمة لكتاب «أبراج رأس الخيمة» مع حنان سالم الهاشمي، وكتاب آخر عن «عملات من متحف الشارقة للآثار»، وكتاب عن «تاريخ عمان ما قبل الإسلام» من خلال المصادر العربية الإسلامية، كما أنهيت كتاب «جوازات رأس الخيمة القديمة». وكتاب آخر مهم هو ترجمة عن آثار موقع الدور: المقابر والمعابد. وهناك ما يتعلق بتراث الإمارات المرويّ والعمراني قيد التحضير والجمع أعمل عليه بمشاركة من طلاب الجامعة.

مشاركة :