بات لافتاً توجه الحكومة في تعاملها مع الزيارات الخارجية؛ واستثمارها بشكل واسع لتحقيق الاستفادة القصوى؛ وضمان التركيز الأكبر على الجانب الاقتصادي الذي يشهد إصلاحات شاملة ومنضبطة بأهداف حددتها رؤية المملكة 2030. زيارة ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان للصين؛ هي جزء مهم من منظومة الزيارات المكثفة التي تركز على الجوانب الاقتصادية، والسياسية وبناء الشراكات النوعية وبما يخدم الاقتصاد الوطني. التغير في ثقافة الزيارات الرسمية ساعد على التواصل المباشر مع القوى الاقتصادية المؤثرة في القطاع الخاص والتي يمكن أن تتحرك باستقلالية تامة عن البيروقراطية الحكومية. خلال يوم واحد من الزيارة الرسمية، شهد بعض الوزراء المرافقين لسمو ولي ولي العهد مناسبات متعددة وعقدوا لقاءات مع رجال مال وأعمال مؤثرين وفق أجندة بدت وكأنها أعدت مسبقاً بعناية لتحقيق أهداف محددة. كشف منتدى الأعمال الصيني السعودي عن حجم الدعم الذي تقدمه الحكومة للقطاع الخاص الشريك الإستراتيجي في تحقيق أهداف الرؤية. الدكتور ماجد القصبي؛ وزير التجارة والاستثمار؛ أكد في كلمته «أن المملكة تستهدف ضخ استثمارات دولية في 7 قطاعات واعدة مقومات ذاتها غير مستغلة ضمن رؤية السعودية 2030» وتحدث بوضوح عن تحسين بيئة الاستثمار ورفع التنافسية وخلق فرص استثمارية» في عدد من القطاعات الواعدة ذات المقومات غير المستغلة». الوزير القصبي تعهد لرجال الأعمال الصينيين بتوفير الدعم الكامل؛ وعرض؛ في الوقت عينه؛ إمكانية الاستثمار في قطاعات تقنية المعلومات والإسكان والتطوير العقاري والنقل والتعدين والصناعات العسكرية والطاقة البديلة؛ وجميعها من القطاعات المهمة التي تحتاج إلى ثورة تطويرية استثمارية تسهم في دعم الاقتصاد الوطني؛ وتحقيق الاستثمار الأمثل للفرص المتاحة. توقيع عدد من اتفاقيات القطاع الخاص على هامش المنتدى أمر محفز ولا شك؛ إلا أن إعداد مشروعات وبرامج حكومية مكتملة ومعدة مسبقا لطرحها على رجال المال والأعمال والشركات الصينية؛ من الخطوات المهمة في عمليات التسويق الحديث؛ والمحققة لكفاءة استثمارالمؤتمرات وإدارتها بشكل احترافي يحقق الأهداف المرسومة بعناية. حضور المهندس خالد الفالح؛ وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية؛ كان استثنائياً وأعطى المنتدى زخماً إضافياً؛ خاصة مع اهتمام الصين بأمن الطاقة والاسثمارات المتنوعة في النفط والبتروكيماويات وعمليات التكرير. لم تكن كلمة الوزير الفالح مجدولة؛ بحسب تعليقه؛ ما يرجح ارتباط المبادرة بالاستثمار الأمثل للزيارة وفق ثقافة العمل الحكومي الجديدة. بالرغم من تحفيزه الاستثمارات الصناعية؛ ركز الفالح على الصناعات ذات القيمة المضافة للاقتصاد الوطني؛ والتي يمكن أن تستثمر الموارد المتاحة ومخرجات الصناعة الأساسية للوصول إلى منتجات وسيطة ونهائية في جميع القطاعات؛ وأحسب أن هذا ما يحتاجه الاقتصاد في الوقت الحالي. باتت الاستثمارات النوعية مطلباً ملحاً لتطوير الاقتصاد؛ وتنوع مصادره؛ وزيادة حجم الصادرات وخلق مزيد من الفرص الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة؛ وتوليد الوظائف. الوزير الفالح ركز أيضاً على أهمية استكمال سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية وتحقيق الاستثمار الأمثل للمدن الاقتصادية والصناعية التي يمكن أن تكون الحاضنة لتلك الاستثمارات. الإعلان عن تخصيص جزء من مدينة جازان الصناعية لتكون قاعدة للصناعات الصينية والاستيراد وإعادة التصدير من الحلول العملية لتطوير المدينة الاقتصادية؛ والمحفزة لجذب الاستثمارات. تهتم الصين حالياً بالتوسع الاستثماري في أسيا وأفريقيا؛ وبالتالي ستكون جازان الخيار الأمثل لها وبما يربط آسيا بأفريقيا حيث يعتبر ميناء جازان الأقرب إلى الدول الأفريقية؛ ويمكن أن يكون مستقبلاً من أهم المواني المرتبطة بالمناطق الحرة. الفالح أشار في تغريدة له عبر تويتر؛ بأنه شارك مع زملائه الوزراء اجتماعاً مع رئيس ومؤسس شركة «علي بابا» جاك ما؛ الذي أبدى اهتماماً كبيراً للاستثمار في المملكة؛ وعن توقيع اتفاق مع الشركة النووية الوطنية الصينية لتطوير القدرات البشرية. قد تكون الصين الخيار الإستراتيجي الأمثل للمملكة؛ وهو خيار يستوجب العمل الجاد والمستدام لتحقيق أهدافه؛ فالثقافة الصينية تتميز بخصوصية مختلفة كلياً عن الثقافة الغربية التي ربما تشرب وزرائنا أساسياتها في مراحل التعليم والعلاقات الرسمية. ومن هنا يفترض أن تكون لدينا آلية مناسبة للتعامل معهم في قضايا الاستثمار والصناعة وتسويق الفرص المتاحة. الكفاءة الإدارية؛ والمحفزات الاستثمارية؛ قد تتهاوى أمام متطلبات العلاقات الثقافية والاجتماعية والدبلوماسية وهو ما يستوجب التعامل معها بعناية فائقة. سياسة النفس الطويل من السياسات المناسبة للتعامل مع المستثمرين الصينيين. التنازل عن بعض المكاسب الوقتية في مقابل المكاسب الإستراتيجية الموثوقة من أدوات بناء العلاقة الاستثمارية مع الصين. التسويق من الداخل؛ وبناء جسور التواصل والثقة بين الحكومة والمستثمرين الصينيين؛ ودعم القطاع الخاص؛ وتحفيز الشراكات ودعمها وإزالة المعوقات من أمامهم وتوفير التمويل المناسب للمشروعات النوعية القادرة على توطين الصناعة ونقل التقنية وبناء الإنسان والمكان؛ يمكن أن تسهم بشكل كبير في تدفق الاستثمارات الصينية وتوسعها في السوق السعودية بشكل ممنهج يساعد على تسريع خطوات هيكلة الاقتصاد وتحقيق أهداف الرؤية المستقبلية؛ بإذن الله.
مشاركة :