أعلنت فرنسا أمس أنها تريد وقف المفاوضات الشائكة حول اتفاقية التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إذ اعتبر الرئيس فرنسوا هولاند أنه لن يكون هناك اتفاق أقله حتى انتهاء ولاية باراك أوباما في كانون الثاني (يناير) المقبل. لكن المفوضة الأوروبية المكلفة التفاوض حول المسألة، أكدت أن المحادثات لا تزال قائمة وأن الهدف ما زال التوصل إلى اتفاق قبل مغادرة أوباما لمنصبه. وبحسب "الفرنسية" قال وزير الدولة الفرنسي للتجارة الخارجية ماتياس فيكل لإذاعة مونتي كارلو الثلاثاء "لم يعد هناك دعم سياسي من قبل فرنسا لهذه المفاوضات" لأن الأمريكيين "لا يعطون شيئا أو يعطون الفتات فقط". وأضاف فيكل أن "فرنسا تطلب وقف هذه المفاوضات". وفي كلمة ألقاها أمام أعضاء من السلك الدبلوماسي الفرنسي، اختار الرئيس الفرنسي كلماته بعناية أكبر لكنه اعتبر أن الحديث عن اتفاق وشيك هو "مجرد وهم". وقال هولاند إن "المناقشات الجارية الاتفاقية بين أوروبا والولايات المتحدة لن تؤدي إلى اتفاق قبل نهاية العام". وشدد على أن "فرنسا تفضل أن ترى الأشياء كما هي، لا أن تتوهم بأن اتفاقا سيبرم قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي" باراك أوباما. غير أن مفوضة التجارة الأوروبية سيسيليا مالمستروم رفصت الحديث عن فشل المفاوضات. وقالت "لقد كانت صعبة، بالطبع، نعلم ذلك منذ البداية، لكنها لم تفشل". من جهته، قال نائب المستشارة الألمانية وزير الاقتصاد الإشتراكي الديمقراطي سيجمار جابريال الأحد إن المفاوضات مع الولايات المتحدة أخفقت فعليا، لأن على الأوروبيين ألا يخضعوا لمطالب واشنطن، مضيفا "لم يتم احراز اي تقدم". وتجري المفاوضات منذ منتصف 2013 بسرية كبيرة بين الحكومة الأمريكية والمفوضية الأوروبية حول اتفاقية "الشراكة التجارية الاستثمارية عبر الأطلسي (يختصر اسمها بالانكليزية إلى "تافتا"). وهي تهدف إلى الغاء الحواجز التجارية والتنظيمية على جانبي المحيط الأطلسي لإقامة منطقة واسعة للتبادل الحر يفترض أن تسمح بإنعاش الاقتصاد. وكان الرئيس الأمريكي يأمل إبرام الاتفاقية قبل انتهاء ولايته. لكنها تواجه صعوبات منذ اشهر خصوصا بسبب الانتقادات الحادة التي صدرت عن المنظمات غير الحكومية للعولمة البديلة التي تخشى أن تؤدي الاتفاقية إلى خلل في القواعد لمصلحة الشركات الكبرى. وأقرت مالمستروم بأنه لن يكون هناك اتفاق بحلول نهاية العام الحالي كما كانت التطلعات عند بدء المحادثات. وأضافت "لا أريد تحليل أفكار ونيات الرئيس هولاند. ومن الواضح أننا لا نملك الشيء الكافي حتى الآن. لا يمكننا إنجاز الاتفاق قبل نهاية العام". لكنها أشارت إلى أنه "لدينا هدف وما زال (...) وعلينا التطلع إلى إبرام الاتفاق في ظل رئاسة أوباما. لا يزال هذا هدفنا". واعتبرت المفوضة الأوروبية أنه "إذا لم يكن ذلك ممكنا، فمن الجيد القيام بأكبر جهد ممكن". إلا أن الوزير الفرنسي برر الطلب بأن المفاوضات التي تجريها المفوضية الأوروبية عن الجانب الأوروبي باسم الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد، تعاني خللا في التوازن لمصلحة المواقف الأمريكية. وقال إن الأمريكيين "لا يعطون شيئا أو يعطون الفتات فقط. التفاوض بين الحلفاء لا يجري بهذا الشكل". وأكد فيكل "نحتاج إلى وقف واضح ونهائي لهذه المفاوضات للانطلاق مجددا على أسس جيدة". وأوضح أن فرنسا ستعبر عن هذا الموقف في أيلول (سبتمبر) المقبل خلال اجتماع للوزراء المكلفين التجارة الخارجية في براتيسلافا. ولم يوضح فيكل الشروط التي يمكن إعادة إطلاق المفاوضات بموجبها ولم يحدد أي موعد لذلك. وكان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس قال في وقت سابق إنه سيكون "مستحيلا" على الطرفين التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية عام 2016. وتشهد ألمانيا معارضة شديدة للاتفاق الذي يجري التفاوض حوله، بما في ذلك داخل الائتلاف الحكومي. وبينما يزداد عدد معارضي النص في صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين مثل جابريال، ما زالت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل تدافع عن المشروع. وأشار جابريال الثلاثاء إلى أنه "نظرا إلى الوضع الحالي للمحادثات، فإن الاتفاق غير ممكن". وأضاف "سنرى إذا ما تغير موقف الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية. وإذا لم يطرأ أي تغيير فلن تكون هناك شراكة تجارية استثمارية عبر الأطلسي". ويقول ناشطون مناهضون للاتفاقية منذ بدء المفاوضات في عام 2013 إنها تخدم الشركات المتعددة الجنسيات فقط وتضر بالمستهلكين. ووراء الكواليس، قال دبلوماسيون لوكالة فرانس برس إنه قد يتم تعليق المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وقد تعلق أيضا إلى ما بعد الانتخابات في فرنسا وألمانيا العام المقبل. ويجب على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي المصادقة على أي اتفاق مماثل ليصبح ساري المفعول.
مشاركة :