قمة العشرين الكبار التي ستعقد في الرابع والخامس من الشهر الحالي في مدينة هانغتشو الصينية، تأتي في وقت تغلب عليه معالم المراوحة في معالم أزمة اقتصادية عالمية جاثمة، لا تتركز في الحوض الأوروبي وحده بل تشمل الدورة الاقتصادية على نطاق شامل تقريبًا، لهذا لم يغالِ وانغ جين تشن نائب رئيس المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية عندما تحدث عن فرصة مميزة ومضيئة للاقتصاد العالمي يمكن أن يوفرها التعاون بين الصين والمملكة العربية السعودية، التي تحضر بقوة مضاعفة في القمة التي يحضرها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على رأس وفد كبير من المسؤولين والاختصاصيين. المحادثات المكثفة التي أجراها الأمير محمد مع المسؤولين الصينيين شكّلت موضع مواكبة واهتمام كبيرين في الأوساط الاقتصادية والسياسية، تمامًا كما حصل خلال جولته غربًا وسلسلة محادثاته التي أجراها في الولايات المتحدة، وتحديدًا في واشنطن مركز القرار السياسي، وفي نيويورك مركز القرارات الاقتصادية والمالية، وفي سان فرنسيسكو عاصمة الثورة التقنية والمعلوماتية، ثم في فرنسا منصة الحركة الاقتصادية الأوروبية. سواء في محادثاته في أميركا وفرنسا أو من خلال تمثيله المملكة في قمة العشرين الكبار بدا واضحًا أن ولي ولي العهد الأمير محمد يطلق جناحين مهمين تحلق بهما خطته الطموحة للمستقبل «رؤية السعودية 2030»، التي طرحها قبل أشهر، وشكلت حدثًا مهمًا في الوسط الاقتصادي الدولي، والمسؤولون في الصين يعوّلون كثيرًا على أهمية زيارة الأمير محمد ومحادثاته التي ستؤدي إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية بين بلدين مهمين يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 50 مليار دولار، وينظرون إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. ذلك أنه من المعروف أن الصينيين يطرحون مبادرة ذات بعد اقتصادي قاري أطلقوا عليها اسم «الحزام والطريق»، وهي تهدف إلى إقامة حزام اقتصادي يوسع مجالات التبادل الاقتصادي والثقافي بين الصين والدول الأخرى، وفي حسابهم أن الطريق يبدأ من روسيا ليصل إلى غرب آسيا وجنوبها مرورًا بآسيا الوسطى، وأن الطاقة تشكّل المحور الأساسي للتبادل الاقتصادي بين دول طريق الحرير البحري، وهنا تبرز أهمية «رؤية السعودية 2030» من خلال دور المملكة الحيوي والضروري في إنجاح مبادرة «الحزام والطريق» ما ينعكس حيوية على صعيد الدورة الاقتصادية الدولية. على هذا ليس من المبالغة أن يجمع الخبراء الاقتصاديون على أن جسر التعاون الذي يمكن أن يربط بين «رؤية السعودية 2030»، التي ستكون موضع اهتمام الخبراء الاقتصاديين خلال قمة هانغتشو، وبين مبادرة «الحزام والطريق»، يمكن أن يمثل رافعة مهمة لتحريك الدورة الاقتصادية بين الشرق والغرب، لهذا بدت محادثات الأمير محمد ورؤيته الاقتصادية والتنموية لمستقبل المملكة، وكأنها الجناح الثاني الذي يمكن أن يساعد خطة الصين «الحزام والطريق» على التحليق والنجاح بما ينعكس إيجابًا على الدورة الاقتصادية الدولية. وليس خافيًا في هذا السياق أنه عندما تكون الطاقة هي المحور الأساسي للتبادل الاقتصادي بين دول طريق الحرير، فإن السعودية كونها المخزن الأهم للنفط الذي تعتمد عليه كل من الصين واليابان في شكل أساسي، وكونها أيضًا المرجعية السياسية والدينية في المنطقة، سيكون دورها محوريًا وأساسيًا وحاسمًا لإنجاح طريق الحرير البحري. على هذا ينظر المسؤولون في الصين إلى محادثات الأمير محمد، ليس كفرصة مهمة لتوسيع اتفاقيات التعاون التي سبق أن وقعها الرئيس الصيني شي جين بينغ مع المملكة خلال زيارته إلى الرياض فحسب، بل كمنطلق يفيد العلاقات بين البلدين وينعكس تحريكًا حيويًا للدورة الاقتصادية على المستوى العالمي. إن العناوين التي وضعتها الصين لقمة العشرين الكبار تتمحور حول «اقتصاد عالمي ابتكاري نشط مترابط وشامل»، وإذا تذكرنا أن «رؤية السعودية 2030» تمثل أكبر خطة استثمارية عرفها العالم الذي يعكف على الاهتمام بتفاصيلها منذ طرحها ولي ولي العهد الأمير محمد، فإنه من الطبيعي أن تشكّل محادثاته مع الزعماء الصينيين واليابانيين وفي قمة العشرين الكبار محور اهتمام عميق. وإذا كانت خبيرة الشؤون الاقتصادية الدكتورة كلاوديا كمفرت قد قالت لصحيفة «عكاظ» إن «رؤية 2030» وما تحمله من برنامج اقتصادي فعال لتطوير الاقتصاد والتنمية في المملكة، ستدعم التعاون مع الصين في سياق مبادرة طريق الحرير، فإن البروفسور خبير الاقتصاد الدكتور راينهارد كويك يرى أن محادثات الأمير محمد في الصين واليابان وفي قمة العشرين، تضع توازنات جديدة على الساحتين العربية والخليجية، وتفتح مجالات واسعة لسياسات السوق داخل المملكة ومع الصين واليابان بما يؤكد انطلاق «رؤية 2030» في ضوء أجندة ناجحة لمستقبل السعودية.
مشاركة :