أكد لـ "الاقتصادية" مختصون في قطاع النفط أن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين السعودية والصين ستكون له انعكاسات إيجابية على وضع السوق النفط العالمية، مشددين على ضرورة إشراك القطاع الخاص في البلدين في الاستثمار في صناعة النفط ونقل التقنية التكنولوجية المتطورة في القطاع. وقال لـ "الاقتصادية"، الدكتور راشد أبانمي رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية النفطية "إن المباحثات السعودية الصينية خاصة فيما يتعلق بقطاع النفط من خلال إقامة شراكات استراتيجية مع شركات نفط صينية، علاوة على زيادة التبادل التجاري والتقني مع الصين، ستنعكس إيجابا على مستقبل الاقتصاد العالمي الذي يعتمد على النفط بشكل كبير". وشدد أبانمي على أن إقامة علاقات اقتصادية مع دولة مثل الصين ستمكن السعودية من الاحتفاظ بحصص نفطية كبيرة في السوق الصينية، مشيرا إلى أن كل هذه الاتفاقيات ستعطي دفعة قوية للاقتصادين السعودي والصيني، والاقتصاد الدولي بشكل عام، ولا سيما أن الصين والسعودية هما عضوان مؤثران في مجموعة العشرين. وأشار أبانمي إلى أن الرياض وبكين بمقدورهما توجيه الاقتصاد العالمي نحو الأفضل، فالسعودية تعتبر أكبر دولة تقوم بتصدير الخام إلى الصين، كما أن الحصة التي تمتلكها السعودية في السوق الصينية تعتبر أكبر الحصص التي يتم تصديرها على مستوى العالم، ولا شك أن تعميق علاقة السعودية بدولة مثل الصين سيسهم في دعم واستقرار السوق النفطية العالمية. وأوضح أبانمي أن تعميق العلاقات الاقتصادية بين الدولتين وزيادة التبادل التجاري والتقني والمعرفي بينهما، ستكون له تأثيرات إيجابية كبيرة جدا سواء على مستوى صناعة النفط أو المجال التقني والاقتصادي والتجاري، مشددا على أهمية تعزيز العلاقة بين القطاع الخاص في السعودية من جهة والصين من جهة أخرى، خاصة في قطاع النفط لما لذلك من انعكاس إيجابي على مستقبل سوق النفط، خاصة أن السوق الصينية تعتبر من الأسواق المستهدفة من جميع شركات النفط العالمية، ولذا فإن السعودية تسعى إلى المحافظة على حصتها في السوق الصينية والعمل على تعميقها وزيادتها عندما تتجه إلى توقيع اتفاقيات اقتصادية بهذا الحجم. وأضاف رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية النفطية أن "تعميق الشراكة بين القطاع الخاص في الدولتين سيكون خطوة إيجابية لتفادي أي نوع من الخلل والبيروقراطية في المستقبل عندما توقع الاتفاقيات الاقتصادية بين أي دولتين"، مشيرا إلى أن نجاح هذه الاتفاقيات يتمثل بالدرجة الأساسية في السوق وهذا الأمر لن يتحقق إلا من خلال تكوين علاقة جيدة بين القطاع الخاص في الدولتين. وذكر أبانمي أن السوق تعتبر معيارا ممتازا لقياس حجم نجاح العلاقات الاقتصادية بين السعودية والصين، لذا لا بد من إشراك القطاع الخاص في السعودية والصين، وفي حال لم يستفد القطاع الخاص في شراكته مع أي قطاع خاص آخر فإن ذلك يحتم عليهما فض هذه الشراكة، وإذا كانت هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص فإن هذه العلاقة ستستمر حتى في وجود هذا الخلل والبيروقراطية. وأضاف أبانمي أن "تأسيس شراكات مع شركات صينية خاصة في مجال النفط والتقنية سيكون هو المحرك الأساسي للاقتصاد في الدولتين، ما يعني النجاح وتحقيق الاستمرارية في المشاريع المشتركة". بدوره، أوضح الدكتور عبدالله السلطان رئيس هندسة البترول في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أن سوق النفط والغاز؛ تاريخيا؛ تعتبر متقلبة، لكن الأمر الذي لا خلاف عليه "علميا" وبناء على نظرة للاقتصاديات العالمية والحاجة الملحة إلى التطور التقني والمعرفي فإن هناك حاجة ملحة إلى توليد الطاقة وأفضل وسيلة لإنتاج الطاقة هي النفط والغاز، لذا فإن أسعار النفط حتما ستتحسن مستقبلا. وأضاف السلطان أنه "قد تكون هناك فترة ترنح في أسعار النفط لأسباب عديدة، لكن مما لا شك فيه أن الاعتماد على النفط ما زال موجودا"، مشيرا إلى أن الإمدادات غير الموثوقة ستؤثر في السوق في المستقبل، لذا ستبقى الإمدادات الموثوقة متحكمة في السوق سواء من حيث العرض والطلب أو رفع معدلات الاستهلاك. وأشار السلطان إلى أن الصين تعتبر واحدة من أكبر الأسواق المستهلكة بشكل كبير للنفط، ولذا فإن توجه السعودية نحو الصين فيه دلالات واضحة على أن صناع القرار الاقتصادي للسعودية يدركون حجم وأهمية السوق الصينية، لافتا إلى أن النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي توحي بأن صناعة النفط والغاز أمامها كثير من التحديات في تلبية الحاجة الفعلية للسوق النفطية، وهذا يتطلب الاستثمار في مشاريع البنى التحتية، التى تشمل مشاريع التوسعة، وتطوير الحقول، وتحفيز الإنتاج، والاستعانة بالتقنية المتطورة في صناعة النفط، والشراكة مع الصين من شأنها تحقيق هذا التوجه، ولا سيما في قطاع الغاز. وأوضح السلطان أن الشراكة بين "أرامكو" و"سينوبيك" الصينية توثقت منذ عام 2004 عندما فازت الأخيرة بعقود الاستثمار في الغاز في الربع الخالي، لذا فإن الوجود الصيني من ناحية إنتاج الطاقة موجود في السعودية منذ سنوات، وبالتالي فإن المباحثات الحالية في الصين الغرض منها تفعيل هذه الشراكات والبحث عن فرص استثمار أخرى في جميع المجالات الاقتصادية التي من بينها النفط والغاز.وأفاد السلطان، بأن توجه السعودية اليوم يعتبر واضحا وهو دعم "رؤيتها 2030"، القائمة على تنويع مصادر الطاقة التي تستهلك داخليا ما يقارب 3.5 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن، وهذه الكمية مرشحة للزيادة لتبلغ 4.5 مليون برميل في اليوم في المستقبل القريب، نتيجة لاستمرار النمو في السعودية في شتى المجالات الاقتصادية، وبالتالي من المهم جدا للسعودية تنويع مصادر دخلها سواء من الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، والنووية، والصين من أهم الأسواق التي نما فيها تطبيق التكنولوجيا والتقنية في هذه المجالات، ولهذا فإن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تعتبر داعما أساسيا للأسواق العالمية بما فيها السوق النفطية. من جانبه، قال حجاج بو خضور، المختص النفطي الكويتي، "إن السعودية تسعى حاليا إلى بناء وتعزيز شراكاتها الاقتصادية مع أكبر الدول المستهلكة للنفط"، مشيرا إلى أن الاتفاقيات التي وقعت أخيرا بين السعودية والصين ستعمل على إقامة علاقات تجارية استثمارية تبادلية تكاملية بين أكبر اقتصادين مؤثرين في العالم هما السعودي والصيني، فالسعودية تعتبر أكبر الدول المصدرة للنفط، بينما الصين من الدول الأكثر استهلاكا للنفط في العالم. وأضاف بو خضور، أن "تعزيز وتعميق العلاقة الاقتصادية بين الدولتين سيحقق عوائد ممتازة سواء للسعودية أو الصين أو على مستوى الاقتصاد العالمي"، ودعا إلى أهمية زيادة فرص التعاون والاستثمار في مجال الطاقة من خلال إقامة شراكات بين القطاع الخاص في الدولتين، خاصة في مجال التقنية التي تسهم في رفع كفاءة إنتاج النفط الخام.
مشاركة :