أبوبكر سالم بالفقيه فنان عابر للجغرافيا الغنائية

  • 9/1/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

< يستطيع أي فنان أن يؤدي دور العاشق أو دور المعشوق في أغانيه، لكن لم يحدث يوماً أن فناناً واحداً جمع الدورين معاً، ومحتفظاً - في الوقت ذاته - بصوت وإحساس وأداء كل دور. فحين يغني أبوبكر يُخيل لسامعه أنه أمام مسرحٍ مليءٍ بالشخصيات، وهو وحده من يدير حواره، متنقلاً به وعبر صوته من طبقة إلى طبقة، ومن شعور إلى شعور، وكأن صوته يخرج من قلبه قبل حنجرته، فما يلبث إلا وقد ملأ قلوبنا شجناً بهيجاً، فكان بحق أبو الغناء. قال لي ايش غيَر طباعك.. قلت لحظة وداعك.. عندما سرت والنفس محزونة.. قال لي هل عرفت المحبة.. قلت عسرة ويسرة.. والمفارق كما اللي يفطمونه.. عنب في غصونه. عُرف عن أبوبكر سالم بالفقيه عذوبة الصوت، وامتلاكه لحنجرة جعلته من الأصوات النادرة والقادرة على أداء الألوان الغنائية المختلفة كالحضرمية والعدنية والصنعاني التي يحكمها - كما يقول - «التأخي والمؤازرة، وبينها مظاهر التقارب الملموس المحسوس»، فأضحت نسقاً خاصاً به، وطريقاً غنى من خلاله عن وجدان الإنسان كما يليق بالابن البار للإنسانية ولحن، لاسيما أن كل شخص يغني ويُلحن ويُبدع، ولكن أبوبكر كان مختلفاً، فأغانيه وألحانه تخص من فقدوا حقهم في التعبير والكلام ومن حاولوا لملمت شتات عواطفهم. عادةً ما كانت تحمل أغانيه الطابع الأخلاقي والاجتماعي والهموم، ناقلاً منها وإلينا تجربته الشخصية، وطالما لمسنا من خلالها أسلوباً تربوياً مليئاً بالقيم الإنسانية من خير ووفاء وصبر - ففي خانة الأعمال الخيرية أشياء كانت ستكلفنا الكثير - لولا أغانيه التي كان يتماهى معها، فكثيراً ما ينسي جمهوره والكاميرات من حوله ويغيب في لجة اللحن كما لو كان يسمعه أول مرة، فما أن تنتصف الأغنية حتى يشعر بأن حاله أصبحت أفضل، فيخلق الطقس في الأرجاء. فالغناء بالنسبة لأبوبكر شريك للماء والأوكسجين لتُبقيه حياً. وليس هناك أدل من ذلك أن يذهب فنان على كرسي المرض ليقيم حفلة، وفعلها أبوبكر. غنى عن وجدان الإنسان وللإنسان، وغنى لوطنه أغنيات أضحت أكثر شهرة وخلوداً كأغنية «يا بلادي واصلي»، التي أعد كلماتها ولحنها وسجلها خلال 28 ساعة، وألقاها أمام قادة العالم في عهد الملك خالد رحمه الله وبطلب من وزير الإعلام آنذاك محمد عبده يماني. وكما هو وفياً مع وطنه يترنم به في كل محفل، كان وما زال مندوباً سامياً لمسقط رأسه حضرموت، فكثيراً ما احتبس دموعه عندما يتذكره، آخذاً بيديه إلى أصقاع المعمورة، بعيداً عن الحسابات السياسية والنزعات العرقية والطائفية، فأمسك بالأغنية الحضرمية ففصلها وغسلها وكواها وزخرفها ثم عرضها، ليس تجارة - فمثله لا يُتاجر بالجمال - بل هدية كانت في أسمى تعاطيها، علاوة على ما عرفنا منه الحضرمي البسيط الجلِد الصبور العصامي. خلال مسيرته الفنية التي تجاوزت 30 عاماً، كان هو الفنان الخليجي الوحيد الحائز على جائزة الإسطوانة الذهبية من شركة الإنتاج اليونانية، وعن أغنيته «أربع وعشرين ساعة»، التي فاقت مبيعاتها في ذلك الوقت أكثر من 4 ملايين نسخة في زمن قل فيه انتشار الأغنية الخليجية. على رغم ما سبق يبقى السؤال: كيف تسنى لهذا الرجل أن يبتلعنا ويبتلع كل مشاعرنا ويعيدها لنا لحناً خالداً؟

مشاركة :