استمع يونس السيد بعد نحو 13 عاماً من حكم حزب العمال، طوت البرازيل صفحة اليسار في انقلاب دستوري، قادته الأحزاب اليمينية للإطاحة بالرئيسة المنتخبة ديلما روسيف بعدما فشلت أربع مرات متتالية في الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، تاركة البلاد تتخبط في سلسلة أزمات وفضائح سياسية واقتصادية واجتماعية، وعلاقات متوترة مع دول الجوار. اللافت في إجراءات عزل روسيف، التي صوت عليها مجلس الشيوخ بأغلبية 61 صوتاً من أصل 81، هو عدم وجود تهمة حقيقية لرئيسة حلت مكان زعيم الحزب لولا دا سيلفا، إثر الأزمة السياسية التي نشأت عام 2010، وأعيد انتخابها بأغلبية 54 مليون صوت في 2014، ولا يوجد ما يشير إلى تورطها في الفساد، فيما استندت، الإجراءات التي بموجبها أوقفت عن العمل منذ نحو ثلاثة أشهر وأسندت مهام الرئاسة مؤقتاً إلى نائبها اليميني ميشال تامر، إلى اتهامها بارتكاب جريمة مسؤولية، عبر التلاعب بالحسابات العامة، لإخفاء حجم العجز، وإصدار مراسيم تنص على نفقات دون ضوء أخضر من البرلمان. وهي اتهامات لا تمثل جنحة، من وجهة نظر قانونية، ولا تشكل تبريراً لإقالة رئيسة دولة منتخبة في نظام رئاسي. في دفاعها عن نفسها أمام مجلس الشيوخ، بعد 14 ساعة من الاستجواب، قالت روسيف ليس الآن، وأنا أم وجدة على مشارف السبعين من العمر، سأتخلى عن المبادئ التي لطالما اهتديت بها، وتابعت: لقد وصفت نفسي دائماً بأنني امرأة قوية وسط رجال خانعين. وفي خطاب مكتوب لمدة 45 دقيقة، حذرت روسيف من المخاطر التي تواجه الديمقراطية في البرازيل، وقالت: جئت لأنظر في عيونكم، أيها السادة أعضاء مجلس الشيوخ، ولأقول إنني لم أرتكب أي جريمة، ولم أرتكب الجرائم التي أحاكم عليها محاكمة ظالمة وتعسفية. المفارقة المدهشة، أنه بينما يرى الكثير من المراقبين أن إجراءات العزل كانت شكلية ومكشوفة، وأن الحكم كان سياسياً بامتياز، فإن أكثر من نصف أعضاء مجلس الشيوخ هم من المتورطين في فضائح الفساد. كما أن الرئيس تامر نفسه، الذي حظي بتصويت المجلس على تنصيبه رئيساً أصيلاً بعد عزل روسيف، وتوجه إلى الصين للمشاركة في قمة العشرين، ورد اسمه في فضيحة الفساد الكبرى المرتبطة بشركة النفط الوطنية بتروبراس، كما يواجه تحقيقاً تجريه المحكمة الانتخابية العليا حول احتمال تمويل غير مشروع لحملته خلال الانتخابات الرئاسية عام 2014. في كل الأحوال، يبدو أن البرازيل تقف الآن على مفرق طرق، بعد انتهاء مرحلة حزب العمال التي حقق خلالها نمواً مذهلاً، وإنجازات كبيرة على كل المستويات التعليمية والصحية والاجتماعية، ونقل اقتصاد البلاد إلى مصاف اقتصادات الدول الكبرى في العالم، والأهم من ذلك أنه تمكن من إنهاء التبعية السياسية والاقتصادية للاحتكارات الغربية، ولم تعد البرازيل الحديقة الخلفية لواشنطن، وربما لهذه الأسباب وغيرها يعاقب الآن، من خلال الأحزاب والقوى اليمينية المرتبطة بالغرب، التي تستعد الآن لتصفية تركة العماليين، والقضاء على كل الإنجازات التي تحققت في عهدهم. ولكن هل يسمح البرازيليون بذلك؟ المؤشرات تقول لا، حيث التظاهرات الاحتجاجية في ساحات المدن الكبرى، كما أن هناك إصراراً من جانب أنصار العماليين على المقاومة، فيما الأحزاب اليمينية منقسمة ومتنافرة، وغير قادرة على إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي افتعلتها في الأساس. younis898@yahoo.com
مشاركة :