فنانون ينعون الفنان غسان محسن: خسرنا فنانًا استثنائيًا!

  • 9/3/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن بالرحيل المفاجئ.. لكنه بكل تأكيد رحيل شكل خسارة للساحة الفنية العربية، والبحرينية بشكل خاص، فقد خسرت الساحة الفنية فنانًا عربيًا قدم عطاءً كبيرًا لا يطغى فيه الكم على الكيف، إذ أنه استطاع بقدرته أن يوازن بين هذين العنصرين اللذين عادة ما يطغى أحدهما على الآخر، فكان بذلك الفنان الذي ترك أثره في المكان، وقد قدر له أن يكون هذا المكان، هو مملكة البحرين، التي اختارها بإرادته، لتكون محطته الأخيرة، فكانت كذلك على المستوى الفني والحياتي، إذ اختار تربتها لتكون مثواه الأخير، ليرحل في الثامن والعشرين من (أغسطس)، تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا من الأعمال الفنية التي ستبقى تقدمه كفنان محترف استطاع أن يترك بصمته الخاصة في الفن التشكيلي العربي. نقول ليس بالرحيل المفاجئ، لأن هذا الفنان كان يعاني من مرض عضال، وكان مؤمنًا بهذا القضاء الذي كان مقدرًا له الحدوث لا محال، إلا أنه ورغم ذلك استطاع أن يتابع حياته مبتسمًا ومعطيًا، دون أن يستسلم ويركن للمرض، وكان كثيرًا ما يحارب هذا المرض، أو يتجاهله باشتغاله الفني، وكتاباته الأدبية، واستقباله للأصدقاء، ليرحل مطمئنًا قبل شهر من إتمامه عامه الـ (71). ولد الفنان التشكيلي غسان محسن حسين في (28 سبتمبر 1945)، بمدينة الناصرة العراقية، وقد ارتبط بالبحرين بشكل وثيق منذ أن تولى منصب السفير العراقي فيها، في العام (2010)، ليتعلق بها، وبأناسها، فيقرر اختيارها محطة له يقيم فيها، هو وعائلته، ويؤثرها على باقي العروض الدبلوماسية التي عرضت عليه ليكون سفيرًا للعراق في بلادين أخرى، إلا أنه فضل أن يبقى في المملكة، ويدفن في أرضها، وقد تحقق له ذلك، حيث وري الثرى في مقبرة المحرق. حول هذا الرحيل وأثره على الساحة الفنية التشكيلية في المملكة، وما تركه الفنان من إرث فني امتاز بطابعه الخاص، تحدثنا لعدد من الفنانين الذين حدثونا عن شخصية الفنان الراحل، ومدى قربه منهم، واتصاله الدائم بهم، إلى جانب بعض جوانبه الفنية والشخصية التي ميزته على مدى مسيرته. الموسوي: رحل من كان يتخذ من الفن انطلاقة لاستلهام واستدراك الكون الفنان عباس الموسوي أكد على كون هذا الرحيل متوقًا فقد كان يعاني الراحل في السنوات الأربع الأخيرة أشد المعانة مع المرض، مضيفًا أن هذه الفترة خلقت منه إنسانًا مختلفًا في تفكيره وعطائه وإيمانه، ويتابع لم أرَ إنسانًا في حياتي مؤمنًا بقضاء الله وقدره كما رأيت غسان، الذي كن مؤمنًا إيمانًا عميقًا وفلسفيًا بالحياة إلى جانب القضاء والقدر، وقد انعكس ذلك على نتاجاته الأخيرة، التي كانت تمتاز بمسحة ربانية قدسية، عبر خطوطها الإنسيابية، ونصوصها المقدسة. ويستذكر الموسوي آخر محادثته الفنية مع الراحل، إذ يقول كن كلما عرض عليَّ بعضًا من أعماله التي أنجزها مؤخرًا، أقول له إن هذا العمل سيبقى خالدًا إليك، وكنت أقول ذلك لأن هذه الأعمال انتجت في حالة خاصة من الصراع مع المرض، وهو صراع بين الحياة والموت، إلى جانب كونها أعمالاً تعكس إيمان الراحل بما آمن به، وقناعته بما أصابه. ولفت الموسوي إلى كون الفنان الراحل مر في الشهور الأخيرة بانتكاسات خطيرة جدًا، وكان صامدًا في وجهها، ولم ييأس، إلى جانب كونه لم يتأخر عن ملاقاة الناس، واستقبالهم، رغم كونه طريح الفراش، إذ كان يستلهم من مجالستهم وحبهم، العديد من نقاط التأمل في الحياة. وينقل الموسوي عن زوجة الراحل، التي كتب فيها أجمل قصائده، كما يقول عباس، بأنها قالت له بأن غسان ودع الحياة والابتسامة ترسم ميحاه، متابعًا كان يملك إيمانًا نادرًا ما يتواجد لدى الفنانين، إذ كان فنانًا مستقرًا، وكان يتخذ من الفن انطلاقة لاستلهام واستدراك الكون، وما وراء الكون، والخالق، لهذا فهو رجل إيماني بحق وحقيقة. وفيما يتعلق بكونه دبلوماسيًا إلى جانب كونه فنانًا تشكيليًا بين الموسوي بأن الراحل الربط بين الجانب الفني والسياسي، إلى جانب كونه استطاع أن يكون دبلوماسيًا في الحياة، بحيث لم تطغي عليه الدبلوماسية السياسية وتحرف من طريقته وحياته وسلوكه، وكانت مواقفه مشرفة في فترة عمله، كما أنه أقام العديد من المعارض الشخصية خلال انتقالاته سفيرًا بين البلدان، وعندما وصل أخيرًا إلى البحرين، لم يرد فراقها، وقال لي (يا عباس أشعر بأن هذا المكان هو مكاني الذي أجد فيه كل الراحة، ويتابع الموسوي لقد أوعز إليه أن يكون سفيرًا في أحدى البلدان بعد أن أنهى مهمته في البحرين، إلا أنه آثار البقاء في البحرين، حيث وجد الناس، والفنانين على وجه الخصوص، متلازمين معه في كل مكان. ويسترجع الموسوي عددًا من المحطات الفنية التي شارك فيها الراحل، إذ شاركته في العديد من مشاريع السلام، ومشاريع الأمم المتحدة، إلى جانب أقامت العديد من الورش المشتركة بيننا في مختلف البلدان، كما شاركني في العديد من المعارض العاشورائية التي أقيمها في شهر محرم، ويعلق الموسوي كان إنسانًا متساميًا عن الفوارق، وينظر للناس بعيون إنسانية، بعيدة كل البعد عن التصنيفات الطائفية واللونية والعرقية. ويوضح الفنان عباس بأن الراحل ينحدر من أسرة فنية، وقد امتاز بتعدد مواهبه، فهو إلى جانب كونه فنانًا تشكيليًا، ودبلوماسيًا، كان كاتبًا وأديبًا، وكان دائم التغني والإنشاد بصوته الجميل. وأشار الموسوي إلى أن آخر أنشطة الفنان الراحل، كان المعرض المشترك لخمسة عشر فنانًا بحرينيًا، من خيرة الفنانين البحرينيين، والذي أقيم في لندن، وكان هو أحدهم. فخرو: لقد خسرنا فنانًا غير عادي! من جهتها، ركزت الفنانة بلقيس فخرو على الجانب الفني للراحل، متطرقة في حديثها إلى بعض جوانبه الشخصية، إذ بينت بأن الراحل كان يمتاز بغزارة إنتاجه، فـ لديه كم هائل من الأعمال الفنية، وهو من الفنانين القلائل الذين استطاعوا أن يشكلوا لنفسهم خطًا يميزهم، ويجعل المتلقي على علم بأعمالهم قبل أن يقرأ توقيعهم على اللوحة، وتتابع فخرو استطاع الفنان غسان أن يصل إلى الفنان الكامل المحترف، إذ كانت لديه القدرة على رسم مئات اللوحات التي تحمل ذات الروح، والألوان، وذات الخطوط. وألمحت فخرو إلى عمق نتاجات الراحل، التي كانت تمثل وثائق تاريخية، إذ كان شغوفًا بتاريخ العراق، وقد استطاع أن يستحضر هذا التاريخ في أعماله، منذ الحضارات الأولى السومرية، وصولاً إلى اليوم، فهو يرسم بعض الأثار، ويمزجها بالطبيعة التي كان شغوفًا بها هي الأخرى، وتضيف لقد قرأ غسان تاريخ العراق جيدًا، واستطاع أن يخلق مزيجًا من التاريخ في أعماله، فترى الروح السومرية موجودة في أعماله إلى جانب الحروف العباسية، والحروفيات، فهو عندما يرسم اللوحة لا ينقل بعض الرقم الحضارية والنقوشات، بل يقوم باستخلاص الروح، وصياغتها على هيئة إنشاء وتكوين حديث ومعاصر. وتلفت بلقيس إلى أبرز ما يميز فن الراحل غسان، الذي كان يمتاز بأوانه المميزة، كالأزرق والتركوازي، اللذين يشعرانك بنهر دجلة وهو يجري في أعماله الفنية، وسماء العراق، الحاضرة دائمًا في لوحاته. وعن شخصية الراحل تقول فخرو كان غسان إنسانًا صادقًا مع نفسه قبل أن يكون صادقًا مع الآخرين، وقد عكست لوحاته ثقافته العميقة، والراقية، إلى جانب كونه فنان استطاع أن يشتغل على نفسه، ليخرج بهذا النقاء والاختزال الشديد الذي نجده حاضرًا في أعماله الفنية، فهو عبر هذه الأعمال يختزل حضارات تمتد لألف السنين، وتؤكد لقد خسرنا فنانًا غير عادي، كان يمتاز بالكم والكيف، بالعدد والجودة، وكان نشيطا، وملتزما بمدرسته التي تمثله وتمثل بلاده، والتي استطاع أن يصيغها بشكل معاصر واختزالي، حيث ترى الروح، والموسيقى البصرية العراقية حاضرة دائما. وحول اتخاذه البحرين محطة أخيرة قالت فخرو لقد جذبته البحرين بسبب الأمان الموجود فيها، وبسبب أناسها الطيبين... هذا الجو الحميمي جعله كشخص اجتماعي يجد نفسه في هذا البلد، إذ كان محبًا للناس، وعلى تواصل دائم معهم، إلى جانب كونه كريمًا حيث بيته مفتوح دائمًا لاستقبال الآخرين، وكان عامرًا.. وقد استطاع الراحل أن يكون جزءًا لا يتجزء من المجتمع البحريني. بوسعد: رحل الدبلوماسي الذي يتحدث بشغف العاشق لفنه وتراثه الفنان التشكيلي والحروفي إبراهيم بوسعد، لفت لكون هناك كثير من الناس الذين يمرون في حياتنا، إلا أن القليل منهم من يترك أثرًا في النفس وأضاف الراحل غسان كان من أولئك القلة، إذ يترك أثرًا إنسانيًا جميلاً بكل ما لهذه الكلمة من إيجابية المشاعر المبنية على الاحترام، والأخلاق السامية، والتواضع، والاقتراب من الآخرين بصدق المحبة، فهذا هو غسان محسن الذي عرفته دبلوماسيًا ودودًا متواضعًا يتحدث عن الفن بشغب العاشق المحب لفنه وتراثه. ويشير بوسعد إلى الجانب الفني لدى الفنان غسان، إذ يبين بأن الهاجس الفني بداخله أكبر من الدبلوماسي، إلى أن تفرغ للفن، واستطاع طوال فترة ممارسته واشتغاله أن يحافظ على هويته وخصوصيته الفنية في تناول مواضيعه المحببة إلى نفسه، كالمدن، والقباب، والمآذن المزينة بالحروفيات العربية، والموتيفات (النقوش والتصاميم) الإسلامية، كما استطاع أن يبقي حنينه المفرط إلى العراق، وأن يبرز بألوان زاهية، فرائحية، ما ينم عن طبيعة روحه النقية، وشخصيته السمحة المتدينة التي جسدها في أغلب أعماله. ويؤكد الفنان بوسعد من خلال علاقته بالراحل بأنه كان ذا اطلاع وثقافة واسعة في مجال الفن التشكيلي وتاريخه بشكل خاص، ففي العديد من اللقاءات التي جمعتنا، كان النقاش يدور حول تاريخ الفن، وتطوره، إلى جانب الحديث عن اللوحات وتقنياتها.. كما أنه في العام (2012) شارك إلى جانب الصديق الفنان محمد الملا، في ندوة أقامتها (أسرة الأدباء والكتاب) حول معرضي الشخصي (طوق الحمام)، وكان الراحل يتحدث بطريقة تلفت الانتباه من حيث تحليله للأعمال، ومراجعاته للوحات، وامتدادها التاريخي، وما زلت أحتفظ بما كتبه حول ذلك. ويختم بوسعد بالأسف لهذه الخسارة، منوهًا إلى أن الراحل سيبقى في الذاكرة كإنسان امتاز بسماحة نفسه، وطيب خلقه، كما سبقى ذلك الفنان ذو الأعمال المميزة ذات الخصوصية التراثية المبهجة بألوانها الفرائحية، التي تبعث على الأمل. العلوي: كان فنانًا من أقوى الفنانين الذين تعاونا معهم صاحبة شركة الندى للأوشحة ندى العلوي، التي لطالما تعاونت مع الفنان الراحل، لإخراج العديد من أعماله الفنية على الأوشحة، أكدت بأن هذا الرحيل يشكل خسارة كبيرة، على الصعيد الإنساني والفني، مضيفة بأن الفنان الراحل كان إنسانًا راقيًا بكل ما للكلمة من معنى، إذ استطاع بعمله الفني والدبلوماسي، أن يرسل العديد من الرسائل الإنسانية. وبينت العلوي بأن الفنان الراحل كان فنانًا من أقوى الفنانين الذين تعاونا معهم خلال مسيرتنا، إذ كانت الأوشحة التي تحمل أعماله الفنية، من أكثر الأوشحة مبيعًا، وذالك عائد لكون أعماله ذات أثر كبير على المتلقي بألوانها وجمالها، وتتابع استطعنا أن ننجز الكثير من الأعمال للراحل، ونحن في طور إطلاق المزيد من الأعمال التي تحمل بصمته المؤثرة. ولفتت العلوي إلى الأثر الذي تركه هذا الرحيل، مشيرة إلى ردود فعل الناس على وسائل التواصل الاجتماعية حول هذا الرحيل، وذلك للأثر الحسن الذي كان يتركه الفنان في نفوس الآخرين. وتضيف لقد كان خبر الوفاة مفجعًا رغم كوني مطلعة على رحلته الصعبة في مقارعة المرض العضال. هذا وترتبط شركة الندى بالفنانين، والفن التشكيلي على وجه الخصوص، انطلاقًا من كونها تعمد إلى تصميم وتصنيع الأوشحة التي تحمل أعمال الفنانين، والتي تصمم خصيصًا لتتناسب مع أناقة المرأة، وقد سبق للفنان الراحل عرض العديد من الأوشحة التي حملت أعماله على وسائل التواصل الاجتماعي. المصدر: سيد أحمد رضا

مشاركة :