يسمي البعض قارة إفريقيا بالقارة المسلمة، فـ 65 في المئة من سكانها مسلمون، وتضم 25 دولة غالبية أهلها يدينون بالإسلام، وهي ثاني قارة تضم مسلمين بعد قارة آسيا. فلا غرو أن أول منطقة دخلها الإسلام بعد مكة المكرمة كانت شرق إفريقيا وبالتحديد الحبشة. انتشر الإسلام في شرق إفريقيا من طريق التجار المسلمين، وكان للهجرات العربية دور مهم في هذا الأمر. وكان النصيب الأكبر من حظ الدور العُماني، إذ حكم العمانيون زنجبار لنحو ثلاثة قرون. وأكبر عدد من حجاج بيت الله الحرام يأتي من آسيا ثم إفريقيا، وكانت طرق حجاج شرق إفريقيا البحرية تبدأ من موانئ دار السلام في تنجانيقا وممباسا في كينيا وزنجبار، وكانت السفن تتوقف عادة في ميناء عدن ومنه إلى ميناء جدة ثم براً إلى مكة المكرمة. كان ميناء زنجبار من أهم موانئ حجاج منطقة شرق إفريقيا التي تضم كينيا وأوغندا وتنجانيقا وبورندي ورواندا، من طريق القوافل التجارية. ومن هذه الطرق ذاك الذي يبدأ عند بجمايو في مواجهة زنجبار ويتجه جنوباً ثم ينحني في اتجاه الشمال الشرقي لتجنب المرتفعات، وتقع عليه أكبر المستعمرات العربية (تابورة) على بعد 600 ميل من الساحل وينتهي عند بحيرة تنجانيقا. ومن تابورة يبدأ طريق آخر ينتهي عند بحيرة نياسا ويتفرع منه طريق بمحاذاة سهل نهر روفما بين الممتلكات العربية والبرتغالية. ومن أطول هذه الطرق ذلك الذي يبدأ من بمبا وتابورة بالطريق الأول ثم يستمر في الاتجاه شمالاً حتى بحيرة فيكتوريا. ووصل التجار العرب إلى عاصمة مملكة بوغندا وأصبحوا على مقربة من التجار العرب الذين يأتون إلى هذه المناطق من السودان. واهتم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بتقديم الرعاية لسلاطين زنجبار وأسرهم عند قيامهم بأداء فريضة الحج؛ من طريق ولاته على الحجاز. وتجلى ذلك فى رحلة الحج التى قام بها السيد برغش؛ سطان زنجبار، وأسرته في 1312هـ. وترتَّب على رحلات الحج هذه وجود محطات تجارية وازدهار النشاط التجاري على طرق الحج وانتشار الإسلام واللغة العربية. وكانت ولاية الحجاز ولاية مميزة في الدولة العثمانية، فهي معفاة من الضرائب وتخصص لها اعتمادات مالية. وكانت الدولة العثمانية تنظم أربع قوافل رسمية لأداء الحج، وأنشئت الآبار على طول الطرق المؤدية الى الحجاز وأقامت في البادية حصوناً لحراسة الآبار وشجعت على تشييد الخانات. وكانت تلك القوافل تتحرك في مواعيد محددة في رفقة قوة عسكرية يقودها أحد كبار العسكريين يسمى «سردار الحج»، وكان يرأس كل قافلة أمير للحج، وهو شخصية رسمية رفيعة المستوى. وتضم تلك القوافل قافلة الحج الشامي وتضم حجاج بلاد الشام والجزيرة وكردستان وأذربيجان والقوقاز والقرم والأناضول والبلقان وحجاج اسطنبول نفسها، ثم قافلة الحج المصري وتضم حجاج مصر وشمال إفريقيا، ثم قافلة الحج العراقي وتضم حجاج العراق وفارس، ثم قافلة الحج اليمني وتضم حجاج اليمن والهند وماليزيا وإندونيسيا وحجاج شرق إفريقيا. وكانت رحلة حجاج السودان ونيجيريا تستغرق أحياناً سنوات عدة، فقد حكى عبدالله فيلبي صاحب كتاب «حاج في الجزيرة العربية»، أنه التقى خلال رحلته للحج عام 1931م التكارنه (الأفارقة من غرب إفريقيا) وأنهم كانوا يعملون في مزارع القطن في السودان وهم في طريقهم للحج وقابل رجلاً حكى له أنه بدأ الرحلة وكان لديه طفل واحد ثم أصبحت أسرته ستة أفراد بعد انتهاء الحج، فالرحلة استغرقت 14 سنة. وحكى معاناة الحجاج الأفارقة وأن بعضهم كان يؤثر البقاء في مكة على العودة إلى بلده. وكانت لقوافل هؤلاء الحجاج محطات تعد مراكز تجارية عامة انتشرت فيها اللغة العربية واللغة السواحيلية التي هي مزيج من اللغة العربية ولغة البانتو الإفريقية، وكانت لغة الحوار والمعاملات التجارية.
مشاركة :