عميد دبلوماسيتنا.. ودور السياسة البحرينية تجاه القضايا العربية

  • 9/3/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن زيارة الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد أبوالغيط لمملكة البحرين مجرد زيارة عادية، فهي الأولى له كأمين عام للجامعة التي تواجه مهمة عسيرة وصعبة وأنواء عديدة، ربما كانت الأصعب في تاريخها منذ نشأتها، حتى أصبحت الأزمات العربية متراكمة وعديدة ومتنوعة ولم تعد تقتصر على القضية الفلسطينية كأزمة محورية للعرب، ومن هنا نقول ان زيارة أبوالغيط للمنامة تعني الكثير للعمل العربي، فالبحرين هي الدولة التي ترأست الدورة (145) لمجلس الجامعة، وهي الدورة التي شهدت اختيار وزير خارجية مصر الأسبق أمينا عاما للجامعة، ويشهد القاصي والداني دور البحرين وتحديدا لعميد دبلوماسيتها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في انتخاب أبوالغيط، ومن هنا كانت أهمية زيارته الأولى لدولة عربية. لقد أكد عميد الدبلوماسية البحرينية على مدى اجتماعات وجلسات هذه الدورة (مارس سبتمبر2016) التي أدارها باقتدار مستلهما خبرته العريقة في العمل الدبلوماسي، أن التحديات التي يواجهها العرب لا تقتصر على المخاطر السياسية والأمنية فحسب، بل هناك الكثير من التحديات الاقتصادية أيضا، ومن هنا كان يشدد معاليه دائما على أهمية أن يوليها العرب -أي الأزمات الاقتصادية- اهتماما شديدا.. كما كان يشير الى التحدي الأهم، ويتعلق بالأزمة المالية التي تواجهها كثير من الدول العربية، وخاصة بعد تهاوي أسعار النفط وهبوطها إلى مستويات متدنية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبا على استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يسعى إليها العرب جميعا. وخلال اجتماعات الدورة، وضع وزير خارجيتنا موقعه العربي بعد أن وضع يده على المشكلة والحل، وتتمثل المشكلة في التحديات التي تواجه العرب، وعلى رأسها ظاهرة الإرهاب وانتشار الجماعات الإرهابية، واتخاذ أراضي الدول العربية مقرات لها لنشر فسادها وخطرها وإجرامها، والعمل على زعزعة الأمن والاستقرار بهدف المساس بوحدة العرب وتفريق شعوب الأمة وعزلها عن المجتمع الدولي، عن طريق بث الفتنة الطائفية وتشويه قيم ديننا الإسلامي الحنيف. ومع استمرار احتلال إيران المتواصل للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، يؤكد دائما وزير خارجيتنا ضرورة استجابة طهران لمساعي الإمارات لحل هذه القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.. ودوما يؤكد معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة رفض المملكة والعرب استمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدولنا، ومساندة الإرهابيين وتدريبهم وتهريب الأسلحة والمتفجرات ومواصلة التصريحات العدائية على كافة المستويات، التي تثير الفتنة الطائفية في مجتمعاتنا. لم يترك معالي الوزير الأمر هكذا بدون توضيح، فكان إصراره على الإشارة الى أن الجماعات الإرهابية في البحرين ممولة ومدربة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي، ولم يكتف وزير الخارجية بالبحرين فقط، وكانت إشارته الى ما تعرضت له سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد.. فكل هذه أمثلة تدل على أن إيران لا تكترث بحسن الجوار والروابط الجغرافية والدينية التي تجمعنا بها، ولا حتى بمبادئ الأمم المتحدة ولا القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.. وهنا كانت مطالبة إيران بضرورة الكف فورا عن هذه الممارسات التي تمس سيادتنا واستقلالنا، وأن تغير سياستها مع دولنا بما يكفل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة. أما عن الأمين العام للجامعة العربية الذي كانت المنامة محطته الأولى عربيا، فقد عكف قبل تسلمه مهام منصبه كأمين عام للجامعة على قراءة كافة ملفاتها، ناهيك عن اطلاع مفصل لأعمال لجنة تطوير ميثاقها، ولم يكتف بذلك بل عكف أيضا على دراسة أوضاع كافة المؤسسات التي تتبع الجامعة، بالتزامن مع مقابلة كبار المسؤولين داخل الجامعة العربية وخارجها ممن يمتلكون خبرة ورؤية في كيفية تعزيز سبل العمل العربي المشترك واستعادة التضامن العربي.. لن نقول إن أبوالغيط كان في حاجة الى كل هذه الدراسة المعمقة للجامعة، وإنما ليقترب أكثر من ملفات سيكون مسؤولا عنها يوما ما. نعلم أن من أولى مهام الرجل من واقع خبرته الدبلوماسية وكمسؤول أول عن الدبلوماسية المصرية لفترة تقترب من ثماني سنوات تقريبا (2004 - 2011)، إحياء دور الجامعة العربية وتعزيز قدرتها على مساندة العمل العربي المشترك.. واستعادة الهيبة للجامعة وكذلك مكانتها بين المنظمات الدولية والاقليمية.. ليصل الى المهمة الصعبة وهي الخروج من مأزقها الراهن بعد خمس سنوات عصيبة تعرضت لها المنطقة العربية وبالتالي الجامعة، ليس أقلها الخطر الداهم الذي يلاحق دولا عربية مثل سوريا واليمن وليبيا ودولا أخرى مثل العراق ولبنان، الأمر الذي يستنزف قدرات العالم العربي مما يؤدي الى اضعاف مكانته بين الامم. ومن هنا، نقول إن الأمين العام للجامعة سيصل الى وضع نهاية لهذا المأزق العربي لأنه يضع ملف التضامن العربي نصب عينيه بما يمتلك من رؤية متكاملة لمشروع اصلاحي ضخم، يستهدف احياء دور الجامعة. ربما نعيد في هذا المقام رأي أبوالغيط في واقعنا العربي، خصوصا وأنه يعترف وبصراحة شديدة بأن الوضع العربي صعب للغاية، ومع ذلك فالرجل مستعد للمهمة الصعبة، وحسب قوله لا مفر من الإقدام والمبادرة وابتكار الحلول والتفكير الخلاق.. أبوالغيط حدد المهام بالضبط: المهم أن نبدأ وأن نرفض البقاء في موقف الانتظار، فالمشكلات لن تحل نفسها بنفسها، والمهم أن يشمل التضامن العربي الجميع ويتحول إلى روح جديدة تلزم العرب جميعا تقديم مصالح الوطن العليا على اية مصالح انية ضيقة. ومع كثرة التحديات التي تواجه العمل العربي كمؤسسة الجامعة العربية وكدول عربية، نعلم أن الواقع العربي صعب وخطير تختلط فيه المصالح العربية العليا برؤى آنية ضيقة وطموحات وطنية عديدة، وليس غريبا أن يكون أبوالغيط ملما بكل هذه التحديات ومعها أسباب الداء، وبخبرته الدبلوماسية العريقة حدد طبيعة المشاكل العربية الراهنة، ليس توصيفا لها من الخارج فقط، ولكن ليضع الحلول الكفيلة بإنهاء التشرذم العربي، ومن أولوياته إنهاء الحرب اليمنية وإعادة دمج سوريا في العالم العربي من جديد، ومواجهة سيطرة تنظيم داعش الإرهابي في المشرق العربي (سوريا والعراق) والمغرب العربي (وتحديدا ليبيا). إقليميا، يرى عميد الدبلوماسية العربية أن السبيل الوحيد للدفاع عن المصالح العليا للأمة العربية هو توحيد الإرادات العربية، ولا مناص عن ذلك في مواجهة الطموحات المتزايدة لإيران وإسرائيل على حساب العالم العربي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فهو يضع يده على جملة من الضروريات منها: حث الخطى نحو تطبيق معايير الحكم الرشيد في العالم العربي، والتوافق على ضرورة احترام حقوق المواطنة والاخذ بالنهج العلمي، وبناء مجتمعات عربية قوية تقوم على العدل واحترام حقوق الانسان والالتزام بتكافؤ الفرص وتشجيع فرص المشاركة السياسية.. فكل هذه متطلبات ضرورية وأساسية لقيام دول عربية قادرة على رفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية. هذا لأن الأمة العربية وكما يراها أبوالغيط أمة حية قادرة على الدفاع عن نفسها ومصالحها وبناء مجتمعاتها.. وهنا يضرب مثلا بالتقدم الحادث في منطقة الخليج كسبيل لإمكانية تقدم بقية الشعوب العربية أيضا. وليس آخرا، أجد لزاما علي كراصد للوضع الدبلوماسي أن أصل مباشرة الى دور الدبلوماسية البحرينية في مجمل أداء الجامعة العربية على مدى الدورة الأخيرة، وكان منفذها الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة سفير مملكة البحرين لدى مصر ومندوبها الدائم للجامعة العربية، وكما ذكرت وطوال الفترة الماضية وعلى مدى ترؤس البحرين للدورة (145) لمجلس الجامعة العربية خلال الفترة (مارس - سبتمبر 2016)، كان للشيخ راشد جهده الواضح على أعمال الدورة، حيث اهتم بموضوع التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة الداخلية، واجتمعت اللجنة الرباعية المشكلة للتصدي للتدخلات الإيرانية وأصدرت عدة بيانات تدين تلك التدخلات بالاضافة الى تشكيل فريق عمل من المتخصصين من الدول المشكلة للجنة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية.. كما كان لجهود مندوب المملكة لدى الجامعة جهده المشكور في إصدار مجلس الجامعة قرار اعتبار منظمة حزب الله منظمة إرهابية. وكان لموضوع مكافحة الإرهاب دور كبير قامت به مندوبية البحرين، حيث قرر مجلس الجامعة على المستوى الوزارى مجموعة من القرارات تضمنت التأكيد على إدانة جميع أعمال الإرهاب وممارساتها بكافة أشكالها ومظاهرها وأيا كان مرتكبوها وحيثما ارتكبت وأيا كانت أغراضها، وضرورة تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية لتعزيز قدرات العاملين في مجال مكافحة الإرهاب في الدول العربية. ولعل من المهام الصعبة للدبلوماسية البحرينية في إدارة ملفات الجامعة العربية برئاسة السفير الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة، اجتماع لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين وإصدار قرار عنوانه التحرك العربي لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية في الجولان المحتل، وكذلك إدانة الاستيطان الإسرائيلي والتأكيد على الموقف العربي الداعم والمساند لحق سوريا في المطالبة باستعادة أراضيها، مع مطالبة المجتمع الدولي ممثلا بمحلس الأمن باتخاذ التدابير اللازمة التي تفرض على إسرائيل الالتزام التام بتنفيذ القرارات ذات الصلة. وربما نذكر هنا أيضا بموقف البحرين من تطورات الأوضاع في سوريا وخصوصا الاعتداءات التي تعرضت لها مدينة حلب، فقد صدر قرار عن مجلس الجامعة يؤكد تضامنه مع الشعب السوري إزاء ما يتعرض له من انتهاكات خطيرة. وعلى المستوى الدولي، لعب الشيخ راشد دورا بارزا لدى ترؤسه الاجتماع الثامن والثلاثين للجنة كبار المسؤولين العرب المعنية بقضايا الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل. اجمالا.. لقد لعبت الدبلوماسية البحرينية دورها العربي باقتدار على مدى الدورة الأخيرة للجامعة العربية، وبما يتراءى مع صون المصالح العليا للوطن العربي وتعزيز سبل العمل المشترك وتقوية أواصر التضامن العربي. أتمنى أن أكون من خلال هذا المقال التحليلي لسياسة مملكة البحرين الخارجية إزاء قضايا الأمة العربية المصيرية، أن يتضح للجميع جهود المملكة لتجاوز التحديات التي تواجهنا.

مشاركة :