كفرت بالشرعية وآمنتُ بالوطن!

  • 9/3/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

منذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز، وتُدير جماعة الإخوان المشهد من خلال استقطاب الشعب المصري المتعاطف معها من أجل الشريعة والشرعية التي هي جزء من الشريعة. وعندما ظهرت بعض أصوات غير المسلمين المتعاطفين مع جماعة الإخوان ومجازر رابعة والنهضة ورمسيس، ظهرت أصوات جديدة من الإخوان تُنادي بأن الجيش المصري بتاعنا والسيسي مش تبعنا، إذ إن الشريعة ومترادفاتها لا تصلح لأن تكون منهجاً لتوحيد غير المسلمين عليها. ولم تظهر خلال هذه المدّة أي مشروع حقيقي، لتوحيد الصف المصري إلا من خلال كلمات الشرعية، أو الجيش المصري بتاعنا، التي انتصر لها الشعب في يوم من الأيام ثم ما لبث أن كفر بها، فما هذه الشرعية التي لا تحمي أفرادها، ولا تأمرهم بأن يحموا أنفسهم، وكيف يكون هذا الجيش تبعنا وهو الذي يسحلنا ويفجّر رؤوسنا؟! هكذا أدارت جماعة الإخوان المشهد حتى يومنا هذا، ولم تسعَ لوهلة أن توحد الشعب الذي بدأت قواه تتلاشى شيئاً فشيئاً تجاه هذه القوة الغاشمة التي لا تعرف الرحمة في صحراء سيناء أو في سجون القاهرة أو في معسكرات الأمن بالصعيد والنوبة. بل سعت جاهدة في محاربة النظام القائم بالمظاهرات في الشارع، وبمحاربة العمل السياسي التي لا تعتليه أو تقوده كما تريد أو كيف شاءت، فكيف لحزب سياسي أو جماعـة وطنية أو تيار مهما كان صوته أو شكله أن يقود العمل السياسي وجماعة الإخوان هي التي كانت تقود الدولة؟ هكذا تصورت جماعة الإخوان أن تقود الثورة بعد فشلها في إدارة الدولة، وهكذا تخيلت أنها سوف تنجح في الثورة السلمية، وهي التي فشلت في الإصلاح السلمي وهو الأسهل، وهكذا وضعت خططها للسيطرة على كافة الأعمال السياسية المطروحة أو الأفكار المنتشرة، حتى أصبح الشعب اليوم ينادي: ولا يوم من أيامك يا مُبارك، وتناسى عهد مرسي!! ثم ما أن اختلفت الجماعـة وظهرت بوادر الفرقة والاختلاف في كل طريق تسلكه، فثلّة تقول بهذا وثلّة تقول بذاك، وأصبح الشعب الذي كان في يوم من الأيام ساكتاً عن ضعف الإخوان في كل المراحل، يلعن السيسي ويذمّ في الإخوان، فالأول سرقهم والأخير لم يقدّم لهم الخير كما كانت شعاراتهم. وزادت الفرقة شيئاً فشيئاً، فلا سبيل للتوحد من وجهة نظر العامة، ولا لجماعة الإخوان الرغبة في أن يقارعها أحدهم أو يسابقها في مضمار إسقاط النظام حتى لو فشلت بكل الطرق والحيل. وظلّوا يصدّرون للعالم مآسي المعتقلين، وآهات الثكالى، وصور المضربين عن الطعام والشراب، ويقولون في آخر الصورة حسبنا الله إليه الشكوى، ظانين أن العالم قد يسمعهم وهم في أصلهم مختلفون فيما بينهم، فلا كلمة توحدهم ولا منهجاً يقودهم، ولا رئيس خارج السجن يخاطبهم. فما كان من الساسة وغيرهم من الشباب الثائر الذين لم يطلبوا في يوم مقعداً برلمانياً أو منصباً وزارياً إلا أن يُعيدوا النظر في منصّة واحدة، وفكرة وحيدة يُنادون بها العالم أجمع والمصريون خاصة، تضم ولا تشتت، تُجمّع ولا تُفرّق، طاولة واحده تجمعهم كما كانوا من قبل. تجمعهم كما كانوا في ثورة يناير/كانون الثاني وجمعة الغضب، تجمعهم كما كانوا في موقعة الجمل ويوم تنحي مبارك، تجمعهم مثلما كانوا يوم الثاني عشر من فبراير/شباط بعد تنحي مُبارك، وهم يهتفون "يا بلادي يا بلادي أنا بحبك يا بلادي"، تجمع وطنيتهم يوم أن نزلوا إلى الشارع في أول انتخابات في تاريخ مصر لاختيار الرئيس، والكل يحمل في جعبته لماذا سيختار هذا المرشّح. لقد طال الحلم، حتى أصبحت النفس بائسة يائسة، فلم يُستشهد كريم بنونة أو محمد محروس من أجل أن تصل مصر إلى هذه الحالة، ولم يخرج مصطفى الصاوي وتخرج سالي زهران من أجل أن يأتي على بلدهم يوم تُباع فيه أراضيه للقاصي والداني، ولن تموت في ذاكرة الثورة صورة مينا دانيال وأسماء البلتاجي وحبيبة عبدالعزيز، ولن تنسى الشوارع في مصر قاطبة كل دم كان يهتف باسمها يوماً من الأيام. استطاع العسكر أن يتحالف مع الكل لإسقاط الكل، فتحالف مع الإسلاميين لإسقاط الليبراليين وغيرهم في جمعة الشريعة، وتحالف مع الإسلاميين باستثناء حازم أبو إسماعيل لتجريم تظاهرات ماسبيرو، وتحالف مع العسكريين لإنجاح شفيق على مرسي، وتحالف مع القوى المدنية لإسقاط مرسي، وتحالف مع القضاة لإسقاط الشرطة، وتحالف مع الشرطة لحبس بعض القضاة، وتحالف مع المخابرات لفصل بعض وكلاء النيابة، وهكذا استطاع أن يتحالف مع الكل ليُسقط الكل، ولتمرير ورقة واحدة يوقّع على كافة الأوراق التي يمزّقها فيما بعد. فلا الذي ثار في محمد محمود انتصر عند إسقاط الديمقراطية في مصر باستخدام الدبابة، ولا الإسلاميون كسبوا تحكيم الشريعة والإسلام عندما هتفوا في جمعة الغضب بمصر إسلامية، بل فاز العسكر بأن فرّقهم، وجمّع هو شمله المشتت. الدم المصري كلّه حرام، ولو رجع الشعب برمّته إلى مبادئ ثورة يناير، وأهدافها، وقوة الشعب وقتها، ووضع أسساً على هذه المبادئ والأحكام، لتوحد بغض النظر على الذين باعوا أنفسهم في محمد محمود، أو الذين ماتوا في رابعة وهم في البيوت، فالمصريون أمّة واحدة فرّقها النظام الذي لا بد أن يسقط. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :