ضمن خزانة التذكارات التي يحتفظ بها روبرت بوبي شالمرز هناك صورة قديمة بالأبيض والأسود ترك الزمن أثره عليها. وكما يقوم المثل "الصورة بألف كلمة"، فإن هذه الصورة تحكي مأثرة كروية خلّدها التاريخ لمنتخب مثّل جنوب القارة الأفريقية خير تمثيل قبل صعود القارة الأم بقوة على الساحرة الكروية العالمية. يظهر في الصورة هذه منتخب روديسيا سنة 1969 قبيل خوضه مباراة في تصفيات كأس العالم FIFA، ويظهر فيها اللاعب شالمرز في الصف الأعلى على الجهة اليسرى. بينما كُتب أسفل الصورة: "ر. شالمرز (كابتن)". كانت روديسيا، التي تحوّلت بعد ذلك إلى زيمبابوي، تشهد إبان تلك الحقبة اضطرابات. فقد كانت البلاد قد استقلّت عن بريطانيا العظمى سنة 1965 وتحوّلت إلى دولة مقسّمة عنصرياً يستولي فيها البيض، وهم أقلية صغيرة، على معظم السلطات السياسية والاقتصادية. وفي هذه الفترة المضطربة، خاضت روديسيا حملة التصفيات المؤهلة إلى منافسات كأس العالم المكسيك FIFA 1970. ويُنظر إلى تشكيلة ذلك المنتخب بأنها نموذج صارخ لمجتمع متساوٍ متعدد الأعراق وخالٍ من التقسيم العنصري. ويتذكر شالمرز واقع بلاده بأنه كان أفضل حالاً قليلاً من الجارة جنوب أفريقيا قائلاً: "اعتاد الناس على بعضهم البعض". وفي حديث مع موقع FIFA.com، قال رأس الحربة الآخر في الفريق جيبسون هوميلا إن الفريق كان بمثابة وحدة متراصة قبيل خوض مباراة التصفيات أمام الأستراليين. وأردف هوميلا: "لطالما كانت كرة القدم في روديسيا متعددة الأعراق، ولعبنا مع بعضنا البعض. بالنسبة لنا لم يكن مهماً أبداً عرق اللاعب الآخر. ما يهمّنا كان ما إذا كان قادراً على اللعب أم لا. كان يُنظر إلينا في روديسيا كأبطال، واعتبرنا الناس لاعبين جيدين مع المنتخب الوطني. كان هذا العامل الأهم بالنسبة لهم". وقد سبق ولعب شالمرز وزميله هيلتون جرينجر في دوري جنوب أفريقيا للمحترفين آنذاك. وقد استدعاهم المدرب الاسكتلندي داني ماكلينان لتعزيز فرص روديسيا بمواجهة الأستراليين الذين استعدوا لهذه المواجهة وكل الترجيحات تصبّ في صالحهم. موقعة لورنكو ماركيز تأهلت أستراليا عبر التصفيات التمهيدية على حساب كوريا الجنوبية واليابان، ولذلك توجه منتخبها إلى القارة السمراء وهو واثق الخطى بشكل مبالغ فيه. وكان على أبناء أوقيانوسيا خوض مباراتي الذهاب والإياب في لورنكو ماركيز عاصمة موزانبيق نظراً لصعوبة منح أبناء روديسيا تأشيرة الدخول للأراضي الأسترالية. وتذكر شالمرز ما جرى قائلاً: "كان الأستراليون واثقين للغاية من قدرتهم على الفوز لدرجة أنهم قللوا من شأن الخصم. حتى أنهم حجزوا تذاكر السفر إلى إسرائيل باعتبار أن الفائز من المباراتين مع روديسيا سيواجه المنتخب الإسرائيلي لتحديد هوية المنتخب المتأهل لخوض النهائيات العالمية". في المباراة الأولى، منح شالمرز هدف التقدم بشكل مفاجئ مع مرور ساعة على انطلاق اللقاء أمام عدد قليل من الجماهير في ملعب سالزار. لكن الأستراليين تمكنوا من معادلة النتيجة بعدها بدقائق عبر تومي ماكول. وقال شالمرز: "أتى التعادل بمثابة صدمة، وأظهر اللاعبون الأستراليون بعده نوعاً من العجرفة قائلين إنهم سيلحقوا بنا الهزيمة بستة أهداف دون رد في المباراة الثانية". إلا أن الرياح لم تأت كما تشتهي السفن الأسترالية، وخاض الفريقان مباراة ثانية انتهت بالتعادل السلبي، وبالتالي تم اللجوء لمباراة فاصلة بعد ذلك بيومين. في النهاية كانت الغلبة لأستراليا التي استغلّ لاعبوها الفرص جيداً وتمكنوا من الخروج منتصرين بنتيجة 3-1، وهو ما أنهى آمال روديسيا ببلوغ كأس العالم، رغم أن شالمرز أهدى فريقاً هدفاً في هذه المباراة الفاصلة. ورغم خوضه لمسيرة كروية ناجحة في جنوب أفريقيا وتسجيله هدفين في مباراة ودية أمام كتيبة ريال مدريد التي كانت تضمّ نجوماً كبار من أمثال بوشكاش وجينتو وسانتاماريا، إلا أن شالمرز لا يزال يعتبر أن تصفيات تلك النسخة من كأس العالم تمثّل أبرز المحطات في مسيرته مع المستديرة الساحرة: "كانت تجربة رائعة، رغم أنها انتهت بخيبة أكل كبيرة. وبعد ذلك بأربع سنوات، تأهل الكثير من اللاعبين الذين واجهناهم إلى نهائيات كأس العالم في ألمانيا. وبالطبع قلنا لأنفسنا، كان يمكن أن نتأهل نحن قبل ذلك بأربعة أعوام". يوافق كل من شالمرز وهوميلا على أن التأهل لنهائي كأس العالم في المكسيك كان يمكن أن يساعد البلاد في تلك الفترة الانتقالية العصيبة التي كانت تمرّ بها. وشرح هوميلا ذلك قائلاً: "لكان ذلك قد أرسل إشارة هامة جداً لأبناء روديسيا أن بوسعنا تجاوز التقسيمات العرقية. لو عملنا سوية، بوسعنا تخطي كافة العقوبات". وبعد الإقصاء على يد أستراليا، توجّب على روديسيا أن تنتظر 11 عاماً حتى تخوض مجدداً مباراة في تصفيات كأس العالم باسم زيمبابوي، وقد تعرّضت عندها للهزيمة على يد الكاميرون. يُذكر أن زيمبابوي لم تتأهل بتاريخها للعرس الكروي العالمي، ولكنها بلغت للمرة الثالثة كأس الأمم الأفريقية والتي تستضيفها الجابون العام المقبل.
مشاركة :