وصف أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام، الدكتور عبد العزيز بن محمد السعيد، مؤتمر الشيشان والبيان الصادر عنه بأنه "تجديد للجاهلية بين المسلمين". وفنَّد "السعيد" ما جاء في البيان من مغالطات من منطلق شرعي، ومن أصول العقيدة. وقال "السعيد" إن تناوله للمؤتمر وبيانه جاء من منظور شرعي من الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، ولا علاقة له بالسياسة. وقال "السعيد": حين قرأتُ توصيات مؤتمر (مَنْ هم أهل السنة والجماعة؟ بيان وتوصيف لمنهج أهل السنة والجماعة: اعتقادًا، وفقهًا، وسلوكًا، وأثر الانحراف عنه على الواقع) المنعقد في مدينة (جروزني) بالشيشان أيقنت أن هؤلاء المجتمعين محاصرون، بل مخنوقون، ينطبق عليهم المثلان السائران (أين يضع المخنوق يده؟)، (وأينما أُوجَّه ألقَ سعدًا!). وأضاف "السعيد": إن هؤلاء ممن حضروا المؤتمر وشاركوا فيه وبيانهم "مخنوقون بدلائل الكتاب والسنة التي عجزوا عن ردها، فلم يكن منهم إلا تحريفها، ومخنوقون بانتشار منهج السلف الصالح (أهل الحديث والأثر، الذي عم أصقاع الأرض)، ومخنوقون بانحسار مذاهبهم الباطلة (الأشعرية، والماتريدية، والصوفية)، مع ما يبذلونه من جهود كبيرة للمحافظة عليها، ومخنوقون بذهاب جاههم، ونفرة الناس عنهم؛ فانقطع السلى في البطن، وانقطع قوي من قاوية، وفشت عليهم الضيعة، وعلا الماء الزبى، وأعضل الداء أهل الشرق والغرب، ورأوا الكواكب ظهرًا؛ فتنادوا إلى عقد هذا المؤتمر الذي يشبه رفسة المذبوح، وما أراه عليهم إلا كراغية البكر، وصدق الله {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}". وتابع "السعيد" بقوله: إن أهل السنة والجماعة - حقًّا - الذين حفظهم الله من المشاركة في هذا المؤتمر. ووصفه بأنه "مؤتمر أهل البدعة والضلالة"، وقال إنه "المؤتمر الذي أعلن إفلاسه في بيانه". وأضاف "لن أتحدث عنه من الجهة السياسية؛ فتلك مسألة لها أبعادها وظروفها وأهدافها وتحليل ذلك، ووضعه في إطاره المناسب ليس من اختصاصي، وليس بمقصودي، كما أني لن أدخل في مناقشة ما أوصوا به من وسائل لنشر بدعهم بين المسلمين؛ لأنها في جملتها وسائل يشتركون فيها مع غيرهم". وقال الدكتور عبدالعزيز السعيد: "إنني متفائل أن هذا المخطط سيكون ـ بإذن الله ـ كاشفًا لما سترونه من عوراتهم، وما دلسوه من ضلالاتهم، وأن العاقبة الحميدة لأهل التوحيد والسنة، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال: 36، 37]. وأضاف قائلاً: الذي يعنيني هو بيان الحق في مفهوم أهل السنة والجماعة، وأن هؤلاء المتآمرين قد اختطفوا هذا اللقب من أهل الحق: أهل الحديث والأثر وأتباع السلف، وأطلقوه على مذاهبهم البدعية؛ ليروجوا به باطلهم، كما فعله أسلافهم من النظَّار والمتكلمين؛ فقد جاء في بيانهم في توصيف أهل السُّنة والجماعة ما نصه (أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علمًا وأخلاقًا وتزكية). وقال "السعيد: "لبيان فساد هذا التوصيف لأهل السنة والجماعة أقول: لقد جنى هؤلاء جناية عظيمة على السُّنة وأهلها منذ بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا بهذا التوصيف المبني على أصول فاسدة، وهي: عدم التسليم بالأدلة الشرعية والانقياد لها، وتجهيل الصحابة وأئمة المسلمين، والإحداث في الدين؛ فلا جرم أن اعتدوا على أهل الحديث والأثر والسلف الصالح فبدَّعوهم؛ لأن حصر مفهوم أهل السُّنة فيما ذكروه يقتضي أن غيرهم ليس من أهل السُّنة والجماعة، فأي جناية أعظم من أن تجعل السُّنة بدعة، والبدعة سُنّة، ويُجعل السني مبتدعًا، والمبتدع سُنيًّا؟! وهل يظن هؤلاء المتآمرون أن أهل السُّنة سيستجدونهم لإدخالهم تحت عباءتهم؛ حتى يقال: إن أهل السنة هم الأشاعرة والماتريدية والمتصوفة وأهل الحديث؟!". وأكد "السعيد" أن أهل السنة والجماعة حقًّا هم أهل الحديث والأثر وسلف الأمة من الصحابة والتابعين ومَنْ سار على نهجهم، ممن ذكرهم الله في قوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} الآية [التوبة: 100]. والطوائف الأخرى ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم أهل البدعة والفُرقة والضلالة. وبيان هذا الأمر في الوجوه الآتية: الوجه الأول: أن المحفوظ عن أئمة الإسلام تفسير الفِرقة الناجية بأهل الحديث، كما ذكره يزيد بن هارون، وعبدالله بن المبارك، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن سنان، والبخاري، وغيرهم. وإذا تقرر بكلام هؤلاء الأئمة أن أهل الحديث هم الفِرقة الناجية كان مَن عداهم من الفِرق الهالكة، كما في حديث التفرُّق، ومنهم: الأشاعرة والماتريدية والمتصوفة. الوجه الثاني: أهل السُّنة ـ وهم الطائفة المنصورة والفِرقة الناجية ـ يُطلق عليهم أهل الحديث والأثر. والحديث والأثر والسُّنة دالة على شيء واحد، وهو التمسك بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستقامة عليه في العقيدة والمنهاج والعبادات والأخلاق.. فانتسابهم إلى الشرع لا إلى غيره؛ فهو انتساب شرعي لقبًا ومضمونًا. أما الأشاعرة فينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري، ويأخذون بعقيدته في الطور الثاني له حين كان موافقًا لابن كلاب، ويدعون الأخذ بعقيدته في الطور الثالث، الذي رجع فيه إلى مذهب أهل السنة، مع تأثر كثير من متأخريهم بالمعتزلة والجهمية. والماتريدية ينتسبون إلى أبي منصور الماتريدي (ت333هـ) وهو في الجملة موافق لأبي الحسن الأشعري في طوره الثاني، بل بعض العلماء لا يفرّق بين الطائفتين، ولاسيما في الأصول. الوجه الثالث: التمايز الحاصل بين ما في كتب السلف ورسائلهم، كالسنة للخلال، وخلق أفعال العباد للبخاري، والسُّنة لابن أبي زمنين، والتوحيد لابن خزيمة، واعتقاد أهل السنة للالكائي، والإبانة لابن بطة، وبين ما في كتب الأشاعرة والماتريدية، في الدليل والتقرير والمصطلح أو اللفظ. وقال السعيد: إذا طالعت كُتب أهل الحديث في الاعتقاد فإنك لا ترى إلا آية أو حديثًا أو أثرًا عن صحابي أو آثارًا عن التابعين وخير القرون، وإذا طالعت كتب الاعتقاد عند الماتريدية والأشاعرة فإذا هي مشحونة بالعبارات الفلسفية، والقضايا المنطقية، والرد على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدعوى أن العقل يحيله، أو أن التنزيه يقتضيه!! وليس لهم سلف إلا النظَّار، والمتكلمون، والفلاسفة، والمناطقة، والملاحدة. وتابع قائلاً: هذا الانفصال عن السلف في المنهج والعقيدة يقتضي أن انتساب الأشاعرة والماتريدية إلى أهل السُّنة باطلٌ قطعًا. الوجه الرابع: إذا جردنا مقالات الأشاعرة والماتريدية عن النسبة، ونظرنا إليها كمقالات، فإن كثيرًا منها مما أنكره السلف على أسلاف هاتين الطائفتين من الجهمية والمعتزلة، سواء أكان ذلك في مسائل معينة كالاستواء والعلو والإرجاء والجبر، أو كان في أصول تلك الفِرق. الوجه الخامس: أما الصوفية ففي نسبتهم واشتقاقها خلاف طويل، حتى بين المتصوفة أنفسهم. والمشهور عند المتصوفة وغيرهم أن هذا الاسم مشتق من الصوف؛ ولهذا يختارونه في لباسهم ـ كما زعموا ـ تجردًا من حظوظ الدنيا، واقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقد وضعوا في ذلك أحاديث ـ كعادتهم ـ والحقيقة أنهم لم يصيبوا هدي الأنبياء، وإنما أخذوا برهبانية النصارى. وتناول "السعيد" ضلالات الصوفية وعدوانهم، ومنها: تقسيم الدين إلى حقيقة وشريعة، فالشريعة هي العلم الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعالم بهذا عندهم بمنزلة العوام. أما الحقيقة فهي العلم اللدني الذي يتحصل عليه الإنسان بعد مجاهدة وخلوات وطقوس معينة ابتدعوها؛ حتى ينقطع العقل والفكر إلى الله بالكلية؛ فيفيض الله عليه من نوره علمًا إلهيًا؛ فيعرف ربه من طريق المشاهدة، فإذا وقع في الحرمات، وصرح بالكفريات، فلا يجوز الإنكار عليه؛ لأنه ما قال ولا فعل إلا الحق، بل التكاليف الشرعية تسقط عنه لبلوغه مرتبة اليقين!! قاتلهم الله أنَّى يؤفكون! وقال "السعيد": بهذه الوجوه يعلم المسلم الكريم ضلال هذه الطوائف، وخروجها عن مسمى أهل السنة والجماعة. وتابع قائلاً: كما يعلم هؤلاء المتآمرون أن أهل السنة يرفضون دخول الأشاعرة والماتريدية تحت مسمى أهل السنة والجماعة بإطلاق، وأن هذا اللقب خاص بأهل الحديث والأثر أتباع السلف، وما سواهم لا حظ لهم فيه البتة. كما يعلم هؤلاء أننا لسنا ننازعهم في حصر أهل السنة والجماعة في الطوائف الثلاث، وإخراج أهل الحديث من هذا المسمى، ولو ذكروهم لم يحصل نزاع، بل نمنع دخول هذه الطوائف الثلاث في هذا المسمى. وأضاف: ولا أرى حال هؤلاء حين انتحلوا لقب أهل السنة والجماعة إلا كحال من قال فيه الشاعر: إن الجديد إذا ما زيد في خلق ** تبيّن الناس أن الثوب مرقوع
مشاركة :