قصة «ملكة» لم تجلس على عرش مصر: بارعة الجمال واستولت على قلب فاروق

  • 9/4/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تقول فريدة عن ناهد رشاد في مذكراتها: «لقد شاءت الأقدار والظروف أن تظهر في حياة فاروق امرأة أخرى استولت على قلبه وكيانه، تلك المرأة هي ناهد رشاد، حرم الطبيب يوسف رشاد، طبيب الملك الخاص». بدأت الصلة بين ناهد رشاد والملك فاروق من حادثة «القصاصين»، إذ ذهب زوجها برفقة الملك إلى المستشفى، بعد أنّ تمكن بما لديه من قوة عضلية وجسمانية، من حمل فاروق ووضعه في السيارة، وحمله إلى داخل المستشفى، لتدخل القصر بعد أن عُين فاروق يوسف رشاد طبيبه الخاص، وأصبحت الملكة غير المتوجة، نظرًا لتأثيرها الطاغي على الملك، بعد أن حملت لقب وصيفة الأميرة فوزية. كانت ناهد رشاد بارعة الجمال، ممشوقة القوام، طويلة الشعر، جريئة ومُتغطرسة، وهي الصفات التى يحبها فاروق، فقرّبها إليه وأضحت بجانبه تلازمه في كُل تحركاته وسهراته، وهو الشئ الذي دفع الملكة فريدة لمقاطعة العديد من السهرات، نظرًا لعدم قدرة الملك فاروق على التخلي عنها. وتُكمل الملك فريدة، سرد أسرار تلك العلاقة، قائلة: «شاهدت الملك فاروق في إحدى المرات في حفلة بكازينو (الرومانس)، وكانت برفقتي شقيقته فوزية، وحين قام الملك أمام الجميع بوضع وردة حمراء بيده في صدر ناهد رشاد، وأخذ يحملق في نهديها، وكأنه يقول لي وللجميع بأنه لم يرو عطشه منها بعد». كمّا استأجر فاروق لناهد شقة خاصة بالجيزة، وأخذ يقضي معها معظم أوقاته، بعد أن أضحى غير قادر عن فراقها، بل وصل الأمر به أن وضع صورتها في قصر «انشاص»، حيث بقيت تلك الصورة حتى قيام الثورة، وأصبحت بندًا من بنود الجرد لمحتويات القصور بعد الثورة. وتنهي فريدة كلامها، قائلة: «لقد ظلت ناهد تحلم بالعرش وبالجلوس بجوار الملك تحت التاج المرصّع بالأحجار الكريمة، وهي تقول لنفسها لم لا وها هي فريدة نفسها وصلت إليه بنفس الطريقة، بعد أن كانت الوصيفة التي اختارتها الملكة نازلي والدة فاروق لأن تكون وصيفة مثلي، فلو وصلت ناهد إلى العرش لكانت ضاعت مصر وضاع عرشها قبل أن يسقطها رجال الثورة». وكان فاروق قد أحب ناهد كثيرًا، لدرجة أنه أضحى يصطحبها معه إلى أي مكان دون اكتراث بزوجها يوسف، الذي هو طبيبه الخاص، خصوصا بعدما أقنعته بأنها الشخص الوحيد الذي لا يكذب عليه إطلاقا ويقول الحقيقة (تأكد الملك من إخلاصها بعد أن كانت توصله بكامل الأخبار عن شقيقته المطلقة فوزية)، فقد كانت جريئة في بعض المواقف وحريصة في أخرى، وفي جميعها كانت تعرف كيف تختارها وبدقة، لكن هذا الإخلاص والثقة العالية بها قد جرّ على الملك نفسه ويلات كبيرة،  حيث كانت ناهد أحد العوامل الأساسية، التي اعتمدت عليها ثورة يوليو، للإطاحة بالملك، بعد أن كانت تمد رجالات الثورة بكل التفاصيل عن تحركات فاروق وسهراته واجتماعاته. والأشد من ذلك أن فاروق لم يكن يعلم شيئا، بل كان غارقا حتى أذنيه، واختار لها مسكنا آخر في حي الأثرياء، بدل الشقة الصغيرة التي كانت تقيم بها في الجيزة، هذا الانتقال الذي هيأ لها أن تقترب أكثر من عرش مصر، بعد أن منحها فاروق العديد من الأراضي وسجلها باسمها شخصيا. ويقول «المراغي» في مذكراته: «ذات مساء رنّ الهاتف في منزلها الجديد وكان على الطرف الآخر الملك فاروق يخبرها بعدم استطاعته مرافقتها لإحدى سهراته، بسبب انشغالاته الملحّة والضرورية، لكنها سمعت بعض الأصوات النسائية عنده، والتي اكتشفت فيما بعد بأنها فاطمة طوسون، لذلك كاد الهاتف أن يسقط من يدها، فقد تصورت أن فاطمة، تلك الفتاة الجميلة أيضا، ستحلّ محلها بقلب فاروق وعندئذ ربما يضيع من بين أقدامها الطريق إلى العرش». وفي صباح اليوم التالي، توجهت إلى القصر كعادتها لتؤدي وظيفتها الخيالية، حيث كانت وصيفة بلا ملكة، وكان الصباح أشد كآبة من الليل، إذ أن الملك لم يستدعها كعادته إلى جناحه الخاص، فعادت بعد انقضاء يومها إلى منزلها لتمضي ثلاثة أيام دون أن ترى الملك فاروق ودون أن تنقطع عن شرب الخمر والسجائر. وفي المساء الأخير لليوم الثالث، رنّ جرس الهاتف في غرفة نومها وسمعت صوت فاروق يحدثها طالبا منها التوجه إلى جناحه في الصباح، ولمّا جاء الصباح، أكملت زينتها وارتدت الثوب الذي يروق فاروق ودخلت عليه دون أن تجد بأن شوقه إليها قد فتر، بل قبّلها بحرارة وداعبها وأثنى على جمالها وجمال ثوبها. وسألتهُ «هل خطبت فاطمة طوسون؟»، فصرخ الملك في وجهها مؤكدا أنه لم يخطر له أن يتزوج من فاطمة طوسون، وموضحا لها بأنها مجرد صداقة فقط، كما أخبرها أنها غيورة، وطمأنها بوعد أنه لن يتزوج فاطمة، فانطلقت بفرح تقول: «لكن يا مولاي يجب أن تتزوج، إن العرش لا يكون كرسيا دون أن تنجب ولي العهد، فقال لها إنني فعلا أريد أن أتزوج (وهو ينظر إليها بدهاء) لكن تلك المرأة متزوجة»، فردّت عليه: «وهل بين جميع نساء مصر لا تجد إلا سيدة متزوجة لتكون بجوار ملكك، فرّد عليها: «لأنني أحبها وهي بجمالها وذكائها تصلح لأن تكون الملكة»، فقالت: «وماذا ستصنع بزوجها؟» فرّد عليها بالقول: «حين أعتزم ذلك، فإنني سأطلب من زوجها أن يطلقها». ومن هنا بدأت الشكوك تساورها، فتلك المواصفات التي قالها الملك تنطبق عليها تماما، فهي جميلة مثقفة ومتزوجة، فحاولت بإلحاح على الملك أن تعرف حقيقة تلك السيدة، فقال لها الملك: «أنت يا ناهد»، وبالفعل عاشت ناهد بعدها في حُلم أن تصبح ملكة مصر. وبعد مرور عام على الوعد «الكاذب»، علمت ناهد أن ما قاله الملك ليس سوى لعبة منه لمسايرتها، والحصول على رغبته التى لا يكلّ ولا يمل منها، وعند لقائه في أحد الأيام، صارحها بحقيقة الملكة القادمة، والتى لم تكُن ناهد، بل كانت ناريمان صادق، خاتمًا حواره معها بالجملة التى قضت على أحلامها: «لقد كُنت وصيفة بلا ملكة، والآن أصبحت وصيفة ملكة، إنها ملكة مصر القادمة (ناريمان)». وعادت ناهد بعدها  إلى بيتها مهرولة من وقع الصدمة، عازمة في الوقت نفسه على الانتقام من فاروق الذي خدعها، وخير وسيلة للانتقام هي أن لا تهرب من القصر الملكي، بل على العكس، قررت قبول وظيفتها الجديدة كوصيفة للملكة القادمة ناريمان، لأنها لو تركت القصر، فإنها لن تستطيع أن تنفذ خطة الانتقام. وجاء اليوم بالفعل لكي تحقق غايتها، حسب «المراغي»، لجأت إلى رئيس الحرس الحديدي للتخلص من فاروق والتحريض على قتله، بعد أن احتفظت بأسرار الضباط الأحرار، الذين عزموا النيّة على التخلص منه دون أن تخبره بذلك، بعد أن كانت على علاقة قوية مع أحد قيادات الثورة، وهو أنور السادات، الذي أمدّته بكل تحركات فاروق وكانت نقطة الارتكاز الأساسية لهم داخل القصر، حيث سهلت عليهم الإطاحة به وبعرشه، بعد أن تزعمت هي وزوجها يوسف رشاد غالى، إلى جانب مصطفى كمال صدقي، الحرس الثوري الذي شكله فاروق للتخلص من خصومه السياسيين أمثال مصطفى النحاس، لينقلب السحر على الساحر، وتكون تلك الأداة في مواجهته وليس في مواجهة خصومه.

مشاركة :