«أخونة» الدولة التركية بين التمكين الديموقراطي والانقلاب العسكري

  • 9/4/2016
  • 00:00
  • 34
  • 0
  • 0
news-picture

انتهى الانقلاب العسكري التركي بالفشل، لكن تداعياته لم تنته بعد، فلا يزال الجيش التركي والمؤسسة العسكرية والأمنية والاستخبارية برمتها تتعرض لحملة اعتقالات وتصفية سياسية على خلفية الانقلاب طاولت مئات آلاف الأشخاص المتهمين بعلاقة ما مع الداعية فتح الله غولن. هذه الأعداد البشرية التي تراوحت بين الاعتقال والاتهام والتسريح من العمل الحكومي في وزارات الدولة التركية تضع أكثر من علامة استفهام على هذا الانقلاب وواقعيته والإجراءات الأمنية والملاحقات. ولهذا ربما شكك البعض بصحة هذا الانقلاب، لأن اعتقال كل هذه الأعداد البشرية وبسرعة قياسية يثير الشكوك بصحة الانقلاب، وقد يتعداه إلى مرحلة تصفية حسابات واستهداف سياسي من قبل الرئيس التركي وحزبه الحاكم إلى خصومه السياسيين والمدنيين. وقد تكون قوائم المستهدفين في هذا الانقلاب معدة سلفاً، وهذا ما أكده جواد كوف مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول بأن هيئة رسمية موظفة كانت قد شّكلتها الحكومة التركية قبل الانقلاب لإعداد الأسماء والأشخاص الذين ينتمون للداعية غولن في كل مؤسسات الدولة التركية. ولهذا ربما يكون هذا الانقلاب محاولة من قبل الرئيس أردوغان لتصفية خصومه، وتعبيد الطريق أمامه لإجراء تعديلات دستورية تجعله رئيساً لتركيا لأطول فترة ممكنة، وإزالة العوائق السياسية والأمنية من أمامه، من خلال زج كبار العسكريين الموالين له في صفوف الأمن، وإزالة كبار الموظفين والأكاديميين والقضاة والمثقفين الذي رفضوا سياسته في السابق لـ «أخونة» تركيا، لا سيما رؤساء الجامعات وعمداء الكليات الذين لم ينس لهم أردوغان رفضهم قبول المحجبات للدراسة. ولهذا ربما يكون الانقلاب مجرد ستار يبرر حملة أردوغان في عملية الاجتثاث الواسعة في مختلف المؤسسات والوزارات التي طاولت الآلاف من خصومه أو من الذين عرفوا بعدائهم لحزبه وأفكاره. ويعتقد البعض أن تركيز الرئيس التركي على اتهام خصمه غولن، هدفه حرف الأنظار عن حملة أوسع تشمل أيضاً خصومه من العلمانيين مستفيداً من سكوت الأحزاب السياسية بعد هذه الحملة. الرئيس التركي قدم تنازلات على الصعيد الخارجي قبل هذا الانقلاب، تتعلق باعتذاره لروسيا عن حادث إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية، وإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل (التي قطعها بعد حادثة سفينة مرمرة)، وتخليه أخيراً عن حلفائه من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في سورية والعراق، وتلميحه بقبول بشار الأسد رئيســـاً لسورية للفترة الانتقالية وترك أمره من بعــــد للشعب السوري ليقرره في الانتخابات المقبلة، كذلك نيته في تسوية المشاكل مع العراق وإعادة العلاقات مع سورية، وهي تنازلات استراتيجية تدخل ضمن التسويات الإقليمية والدولية، إلا أن أردوغـــان لم يــقدم تنازلات تتعلق بالداخل التركي من أجل سعيه لتعــــديل الدستور للحصول على مكتسبات رئاسية أكبر. وربما يكون ذلك وراء الانقلاب العسكري الفاشل. هذه التحركات والتسويات تـــذكرنا بالتطمينات التي أعطتهـــا جماعة «الإخوان المسلمين» في مصـــر بعد تولي محمـــد مرسي رئاسة الجمهورية، لإسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى. إلا أن أردوغان الذي يسعى إلى «أخونة» الدولة التركية طـــوال السنوات الماضية عبر «التمكين الديموقراطي» كان أكثر ذكاءً من سياسة التمكين التي اتبعها «الإخوان» في مصر، على رغم التنازلات التي قدموها للولايات المتحدة وإسرائيل. إن سياسة أردوغان لم تعد مخفية، بل هي واضحة بهذا الاتجاه. وقد وجد الرئيس التركي ضالته في هذا الانقلاب لاستهداف كل خصومه وإبعاد منافسيه عن الساحة السياسية التركية، وتغويل المــؤسسات التركية بمن لهم صلة وعلاقة وثيقة بالرئيس أو بحزبه «حـــزب العدالة والتنمية»، لا سيما في المؤسسة العسكرية والأمنية والتعليم والقضاء والمؤسسات ذات الأهمية على الصعيد السياسي. وحتى الخلاف السابق بين أردوغان ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو هو خلاف في التوجهات السياسية والفكرية بين الرجلين، بين سياسة الأخير «صفر مشاكل» وسياسة الرئيس أردوغان «أخونة تركيا». وهو خلاف بدأه أردوغان بنزعته الرئاسية، وأسلمة جارفة وسعي لتمكين تركيا من دور إقليمي في المنطقة يقوم على ريادتها ورهانها ومناصرتها للتيارات الإخوانية، وإعادة إنتاج «الخلافة». وهذا الخلاف ذكّر به مستشار الرئيس التركي عمر الفاروق قرقماز بتذمره من «الإخوان» الفارين إلى تركيا والذي وصفهم بأنهم «يطلقون شعارات أكبر من تركيا». وعليه، من المتوقع أن حملة أردوغان السياسية ومشروعه السياسي لـ «أخونة» الدولة التركية عبر الوسائل الديموقراطية قد يعرضانه لكثير من المشاكل مع دول الجوار، ويحرمان تركيا من حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي. وربما يقودان ضده انقلاباً عسكرياً كبيراً يشمل المؤسسة العسكرية برمتها، لا سيما مع استمراره في حملة الاعتقالات الكبيرة، لا سيما مع التصعيد السياسي الذي استخدمه أردوغان تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على رغم تحذيره من التمادي في انتهاك حقوق الإنسان والديموقراطية في دولة رئيسة من أعضاء حلف شمال الأطلسي. فهل يعرف أردوغان حدود اللعبة السياسية، أم سيستمر في التمادي بحلمه السياسي التاريخي وإدخال الدولة التركية في مشاكل إقليمية ودولية معقدة لا سيما بعد فشل مشروع «الإخوان» في مصر؟ ميثاق مناحي العيساوي (مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية)

مشاركة :